كتاب البحث اللغوي عند العرب

في أن يقرأ القارئ الكلمة كما قرئت "فتبينوا" أو "فتثبتوا" وأي صعوبة في أن ينطق كلمة "عباد" في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} كما قرأها ابن كثير وابن عامر ونافع وغيرهم "عِنْدَ الرحمن"، أو كما قرأها أُبي وسعيد بن جبير: "عَبْد الرحمن". "بفتح العين وسكون الباء" أو كما قرأها ابن عباس: "عُبَّاد الرحمن" "بضم العين وتشديد الباء"؟ وهل تظهر الحكمة من تعدد القراءات في مثل قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} ، حينما قرئت "منه" تارة. "مِنّةً" "بكسر الميم وتشديد النون والنصب" وتارة: "مَنُّه" "بفتح الميم وضم النون المشددة والإضافة"، وتارة: "مِنَّة" "بكسر الميم وتشديد النون والرفع".
فإذا كان مثل هذه القراءات يدخل في باب المقبول مع غياب حكمة التخفيف فيها، فلماذا نستبعد قراءات أخرى تبدو حكمة التخفيف واضحة منها لمجرد مخالفتها لرسم المصحف؟ والأمثلة كثيرة على القراءات التي تدخل في باب العادة الكلامية أو الخاصة اللهجية -مما يقبله اللغوي دون تردد- ويستبعده القارئ لمخالفته رسم المصحف مثل:
1- {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْب بِضَنِينٍ} ، التي قرئت: "بِظَنين".
وكلنا يلاحظ التداخل بين صوتي الضاد والظاء حتى في لغة المعاصرين، ورسم المصحف لا يسمح بالتبادل بين الضاد والظاء.
2- قوله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} ، وقوله: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} فقد قرأهما ابن مسعود على خلاف سائر القراء حين أبدل الكاف قافًا في الأولى فصارت "قشطت" وأبدل القاف كافًا في الثانية فصارت، "تكهر". والصلة الصوتية بين القاف والكاف أوضح من أن تحتاج إلى تعليق، ورسم المصحف لا يسمح بالتبادل بين القاف والكاف.

الصفحة 22