كتاب روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» (اسم الجزء: 1)

وسبيله: أن يجعل أولًا متن كتابه على رِواية خاصة، ثم ما كانت من زيادة لرِواية أخرى ألحقها، أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها، معينًا في كل ذلك من رواه ذاكرًا اسمه بتمامه، فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره؛ كيلا يطول عهده به فينسى، أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمًى.
وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة، واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرِّواية الملحقة بالحمرة، فعل ذلك أبو ذر الهَرَويّ من المشارقة، وأبو الحسن القابسي من المغاربة، مع كثير من المشايخ وأهل التقييد.
فإذا كان في الرِّواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة، وإن كان فيها نقص والزيادة في الرِّواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة، ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرِّواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق والله أعلم (¬1).
¬_________
(¬1) قلت: وقد أبدع العلامة اليونيني في نسخته حيث راعى آداب المحدثين في ذلك، وما ذكره ابن الصلاح من منهج في كتابة الكتاب المتعدد الروايات، يصلح فعله اليوم في تحقيق الكتب من أكثر من نسخة لها، فتُنزّل النسخة المخطوطة من الكتاب بمقام الرواية منه عند القدامى.

وما حكاه ابن الصلاح عن أبي ذر الهروي والقابسي وكلاهما من رواة «الصحيح» سيأتي في رواية أبي ذر ورواية القابسي في الباب الأول من هذه الرسالة، وهذا يدل أيضًا على معرفة المسلمين بأصول التحقيق والمقارنة بين النسخ منذ زمن بعيد، والله أعلم.
ومن الأشياء التي لم يذكرها ابن الصلاح وهي معروفة عند المتقدمين من المحدثين:
1 - البدل: وهو أن يكون في النص كلمة أو عبارة كتبت بخط غير واضح وتشكل على القارئ، فيعمد إلى وضع إشارة عليها ثم يكتب في الهامش الكلمة أو العبارة الواضحة ثم تعقب بكلمة: بدل أو يكتب فوقها حرف الباء هكذا: (ب).
2 - ومنها: التقديم والتأخير:
وهو أن يسهو الناسخ فيكتب كلمة أو عبارة قبل أخرى، ولئلا يضطر إلى الضرب أو المحو أو الكشط يعمد إلى وضع إشارة تبين ما ينبغي تقديمه وما ينبغي تأخيره، فإذا كان التقديم والتأخير في عبارة طويلة وضع إشارة في بداية العبارة المتقدمة وكتب (يؤخر من) ثم حدد بداية العبارة المتأخرة التي ينبغي تقديمها وكتب يقدم.
أما إذا كان التقديم والتأخير في كلمتين فقط، فيكتب على كل منها حرف (م) للدلالة على وجوب تقديم الكلمة الثانية على الأولى كما ورد ذلك في النسخة اليونينية.
3 - يضع الناسخ أحيانًا على بعض الكلمات كلمة (معًا) وذلك إشارة إلى صحة الضبطين في كلمة واحدة كأن يُقال مثلًا معًا.
4 - كثيرًا ما يضع النساخ أول كلمة من الصفحة في أسفل الصفحة التي قبلها؛ وذلك للمحافظة على تسلسل الصفحات فلا تتقدم صفحة على أخرى، وتسمى بالتعقيبة.
5 - ومن الرموز التي استخدمها النساخ أيضًا رمز (حـ) كذا للحاشية التي تكتب زيادة على أصل المروي، وقد تكون بخط الناسخ وقد تكون بخط الراوي.
وقد تكتب (خـ) كذا للدلالة على النسخة إذا كان المروي له أكثر من نسخة.
وغير ذلك وينظر في ذلك مبحث النسخة اليونينية ورموزها.

الصفحة 106