كتاب روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» (اسم الجزء: 1)

ببغداد جزءًا على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه؛ ليكون حجة له، فقال له أبو أحمد: يا بني عليك بالصدق، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد؛ وتُصدَّقُ فيما تقول وتنقل، وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك: ما هذا خطُّ أبي أحمد الفرضي ماذا تقول لهم؟!
ثم إن على كاتب التسميع التحري والاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل، ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه، والحذر من إسقاط اسم واحدٍ منهم لغرض فاسد. فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه ليكن أثبته معتمدًا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه، فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى.
ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه، ومن نسخ الكتاب، وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به.
رُوِّينا عن الزهري أنه قال: إياك وغلول الكتب. قيل له: وما غلول الكتب؟ قال: حبسها عن أصحابها (¬1).
وروينا عن الفضيل بن عِياض رضي الله عنه أنه قال: ليس من أفعال أهل الورع ولا أفعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عنه؛ ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه (¬2).
فإن منعه إياه فقد رُوِّينا أن رجلًا ادعى على رجل بالكوفة سماعًا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث، فقال لصاحب الكتاب: أخرج إلينا كتبك، فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك، وما كان بخطه
¬_________
(¬1) أخرجه ابن المقرئ في «المعجم» ص: 288 (942)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» 3/ 366، والخطيب في «الجامع» 2/ 47 - 48 (482 - 483)، والقاضي في «الإلماع» ص: 189، والسمعاني في «أدب الإملاء» ص: 176.
(¬2) أخرجه الخطيب في «الجامع» 1/ 242 - 243 (485 - 486).

الصفحة 110