كتاب روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» (اسم الجزء: 1)

البُخارِيّ يقول: خرجت كتابي «الجامع» في بضع عشرة سنة، وجعلته فيما بيني وبين الله حجة (¬1).
بل لقد بلغ من توقِّيه له، ومُبالغته في إتقانه، وحرصه على كمال السلامة فيه، أنه أعاد النظر في تأليفه مرات، وتعهده بكثير من التهذيب والتعديل قبل أن يُخْرِجه للناس، وهذا ما عبر عنه بأنه صنفه ثلاث مرات (¬2).
لقد حقق البخاري لكتابه غاية الإتقان، بما تأنى في تأليفه، وبما راقب الله فيه، وأعانه على ذلك سعة روايته، وخبرته الدقيقة بنقد الحديث، وإحاطته بعلومه وتاريخ رجاله، وقد تحقق فيه مزايا الجمع، والصحة، والإسناد، والاختصار، وهذه مَعانٍ يفوق ببعضها كل كتاب سبقه، فما بالنا به وقد اجتمعت كلها فيه؟
لقد استعد البخاري لتأليف هذا الكتاب، وتأنى في تأليفه وتَحَرَّى له كما سبق، ومع ذلك لم يقنع بما صنع، بل أراد أن يستوثق من سلامته، وأن يطمئن إلى صدق الجهد الذي بذله فيه، ولذلك عرضه على أشهر الأئمة المعروفين في عصره، فكان له من حسن شهادتهم ما أراد.
يقول أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي: لما ألف البخاري كتاب «الصحيح» عرضه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث (¬3).
¬_________
(¬1) سيأتي في مبحث: إبراهيم بن معقل النَّسفي من هذه الرسالة تخريجه.
(¬2) «هدى الساري» 2 - 201.
(¬3) وينظر في معرفة هذه الأحاديث الفصل الثامن من «هدي الساري» في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه الدارقطني وغيره. ينظر «هدي الساري» (ص: 346، 382، 410).

الصفحة 123