كتاب روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» (اسم الجزء: 1)

فيه، وهكذا نعتقد به ونقول، ولا نخرج عنه إلاَّ ببيان شافٍ وحجَّة ظاهرة، تزيد في غلبة الظنِّ على المعنى الذي قدَّمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما (¬1).
ويؤيد ذلك ما قاله ابن حجر (852) هـ رحمه الله تعالى في الفصل التاسع في سياق أسماء من طعن فيه من رجال الصحيح: وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب «الصحيح» لأي راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولاسيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في «الصحيح»، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما (¬2).
وقد هجر في سبيل ذلك راحته، وحظوظ بدنه، ومطالب نفسه، ونسي لذته، وغادر وطنه، واكتفى من الدنيا ببلغة عيش، وسداد رمق، ولقي في سبيله أذىً كثيرًا ومحنة وبلاءً، فكافأه الله على كل ذلك بأن قيض له أفواجًا من العلماء والأذكياء يخدمون كتابه بصنوف من الخدمة، وأنواع من الجهد لم يخطر ببال أي جماعة قبلهم، ولم تتيسر لكتاب بعد كتاب الله، وأشعل في قلوبهم حب هذا الكتاب والسهر على خدمته، حتى لم يشعروا بلذة إلا في شرحه، ونشره، وتحمله، وروايته، ولم يجدوا راحة إلا في تحقيقه وتنقيحه، حتى تكونت هذه المكتبة الواسعة الزاخرة التي لم توجد لكتاب بشري آخر.
وتلك سنة الله في خلقه، فلما حفظ البخاري سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاهد في سبيلها حق الجهاد، ووقف كل حياته وكل ما كان يملكه ويمتاز به
¬_________
(¬1) «الاقتراح في فن الاصطلاح» في الباب السابع: في معرفة الثقات من الرواة ص: 29 - 30.
(¬2) «هدي الساري» ص: 384.

الصفحة 20