كتاب روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» (اسم الجزء: 1)

قلت: ويكره أيضا الاقتصار على قوله (عليه السلام) والله أعلم بالصواب.
العاشر: على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه (¬1) الذي
¬_________
(¬1) المقابلة في اللغة: المعارضة، فالمحدثون يعبرون عن المقابلة أحيانًا: المعارضة.
وتعتبر المقابلة أو المعارضة من أهم مظاهر التوثيق في المرويات والمخطوطات العربية؛ لأنها الوسيلة التي يتم بها التحقيق من سلامة النص وصحته بمطابقته على النسخة الأصل المعتمدة رغبة في إثباته كما كتبه مؤلفه، وإحالة الشيء إلى أصله، ونسبة الكلام إلى قائله هو زبدة التوثيق.
ومن فوائد المقابلة تقويم النص واكتشاف الخطأ الذي قد يحدث من المؤلف تارة، ومن النساخ تارة أخرى، بالإضافة إلى اكتشاف السقط إن وجد، واستكماله.
ويلاحظ أن فن مقابلة النص من وسائل التوثيق التي تعود إلى زيادة المحدثين في العناية بضبط الحديث، ثم صار من بعدهم تبعًا لهم.
ويستدل المحدثون على أهمية المقابلة بمعارضة جبريل عليه السلام للقرآن مع الرسول صلى الله عليه وسلم مرة كل عام، وقد عارضه مرتين في عامه الأخير.
(وينظر: «أصول نقد النصوص ونشر الكتب» لبرجستراسر ص: 96، وكتاب «أنماط التوثيق في المخطوط العربي» ص: 47 - 48.
وقد بلغت عناية المحدثين بالتأكيد على المقابلة أو المعارضة مبلغًا عظيمًا حتى اعتبر العلماء الكتب التي لم تعارض كأنها لم تكتب، كما روي ذلك عن عروة بن الزبير، كما سيأتي عند ابن الصلاح، وقال الخطيب في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي» في باب وجوب المعارضة بالكتاب لتصحيحه وإزالة الشك والارتياب: يجب على من كتب نسخة من أصل بعض الشيوخ أن يعارض نسخته بالأصل، فإن ذلك شرط في صحة الرواية من الكتاب المسموع. اهـ.
وقال القاضي عياض في «الِإلمَاع»: ص: 142 وأما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لابد منها، ولا يحل للمسلم التقي الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق، ووثق بمقابلتها بالأصل.
وما أجمل ما أخرجه الخطيب في «الجامع» 1/ 279 عن الإمام الشافعي حيث قَال: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة.
ولبعض الشعراء:
المح كتابك حين تكتبه ... واحرسه من وهم ومن سقط
واعرضه مرتابًا بصحته ... ما أنت معصومًا من الغلط
[الِإلمَاع ص: 143].
ولقد كتب في المقابلة أو المعارضة وأهميتها وشروطها وآدابها كثير من المتقدمين، منهم الرامهرمزي، والقاضي عياض، والخطيب البغدادي، وابن السَّمْعَاني، وابن عبد البر، وغيرهم.
كما كتب كثير من المُحدثين في إبراز دور المحدِّثين وسبقهم في الارتقاء بهذه الطريقة وريادتهم فيه، وقد سبق ذكر طائفة منهم قبل قليل.

الصفحة 94