كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)

الشنيع، والموضوعيَّة النسبيَّة، بين الافتراء والإنصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ، والتسامح العاقل) (¬1).
أمَّا ما نتج عن هذه الدراسات المتنوعة الشاملة التي تولتها الحركة الاستشراقية فقد كان بالغ الأثر على ذاتية الأُمَّة الإسلاميَّة المتميزة، ولا سيما بعدما اتضح مدى تحامل المنهج الاستشراقي على الإسلام وأمته ومجافاته للحقيقة التاريخية، وما ينطوي عليه ذلك من أخطار أجملها أحد المفكرين في قوله: (إن هذا الاستشراق. . . كان أداة بشعة لتصوير الإسلام وتزييفه لمنع عبوره إلى الحياة الأوروبية، وكان منطلق ومخطط الغزو الفكري في بلاد الإسلام، استطاع أن يخترق حياة المسلمين ويشوه أمام أجيالهم -التي تربت في ظل ثقافة الخمود والجمود- الإسلام بكل معانيه من خلال الاحتكاك الحضاري بالمسلمين في القرن الأخير، ولا سيما في مرحلته الأخيرة التي اختفى فيها وراء براقع العلمية والموضوعية والحياد، فاستطاع في هذه المرة أن يقوم بمنع تسرب الإسلام الحق إلى حياة الثقافية الجديدة، سواء عن طريق الإعلام العام، أم المؤسسات الثقافية في البلاد الغربية، أو المراكز والمدارس والجامعات في البلاد الإسلاميَّة) (¬2).
ثم (إنَّ الاستشراق قام بدور تضليلي تاريخي ضخم في حياة المسلمين وتاريخهم وثقافتهم ودينهم، ولقد تغلغلت الكتابة الاستشراقية المتعددة الجوانب في حياة الأُمَّة خلال قرن كامل بحيث نفذت إلى كل جزئية من جزئياتها, لا يدرك خطرها إلَّا العالم الخبير الموازن بين حقائق الإسلام وأوضاعه الحضارية وبين مزاعم المستشرقين ودراستهم لهما) (¬3).
¬__________
(¬1) محمود حمدي زقزوق: سيرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في تصورات الغربيين لجوستاف بفانمو: ص 6، الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986 م، مكتبة ابن تيمية، المحرق، البحرين.
(¬2) محسن عبد الحميد: أزمة المثقفين تجاه الإسلام. . . ص 34، (مرجع سابق).
(¬3) انظر: المرجع السابق نفسه: ص 131.

الصفحة 1013