كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 1)
السلف والخلف في تفسير الصراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد؛ وهو المتابعة لله وللرسول) (¬1).
وذلك هو الطريق الذي يؤم ويقصد، وواضح أنَّ للذين يؤمُّونه ويقصدونه -وهم المنعم عليهم- صفات وخصائص تميزهم عن غيرهم، وهي صفات وخصائص تتجلى في كثير من سور القرآن وآياته تفصيلًا لما أجمل في الفاتحة، من ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 3 - 5].
ومن اللطائف في هذا ما ذكره بعض المفسرين في إشارة إلى المناسبة بين سورة البقرة والفاتحة، قال: (إنَّه لما شرع -جلَّ وعلا- في الفاتحة طلب الهداية لصراطه المستقيم الذي هو صراط المنعم عليهم، ناسب أن يبين من هم المنعم عليهم، فذكر من صفاتهم، وأنهم المتقون، وبين طريقتهم، وهو الإيمان والعمل الصالح) (¬2)، وهذا ما يميزهم، وقد رتَّب عليه الفلاح والهداية.
يقول ابن قيم الجوزية: (كأنه قيل: وما يحصل لهؤلاء الموصوفين بهذه الصفات، فقيل: إنَّهم على هدى من ربهم وإنهم مفلحون) (¬3).
¬__________
(¬1) المرجع السابق نفسه: ص: (28).
(¬2) انظر: أبو الفضل شهاب الدين محمود الألوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: 1/ 101، 102، الطبعة الأولى: (1415 هـ - 1914 م)، عن دار الكتب العلمية - بيروت، وانظر: جواهر البيان في تناسب سور القرآن: ص: (26)، الطبعة الثَّانية: (1406 هـ - 1986 م)، عن عالم الكتب، بيروت، (ولم يظهر عليه اسم مؤلفه).
(¬3) بدائع التفسير، الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية: (1/ 261)، جمع وتوثيق وتصحيح: يسرى السيد محمد، الطبعة الأولى: (1414 هـ.)، عن دار ابن الجوزي - الدمام.