كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 1)

ومؤرخيه، على حين أنَّ موقف الفكر الغربي والفكر الاستشراقي -في جملته- جزءٌ منه ينطلق من نظرية "عبء الرجل الأبيض، في حمل رسالة العلم والمعرفة إلى الآخرين، وأنَّ الغرب هو مركز الاستقطاب الفكري للإنسانية. . . فهو من صنع ما اصطلحوا عليه (بالمعجزة اليونانية الخالدة)، (وهو الذي قدَّم من وجهة نظرهم) تفسيرًا متناسقًا رائع التوازن للإنسان والكون والحياة" (¬1).

إضافة للأهميَّة المشار إليها آنفًا فإنَّ اللَّه -عز وجل- قد ميَّز الأُمَّة الإسلاميَّة دون سائر الأمم بخصائص ومميزات كثيرة، منها:
1 - بما أورثها من هذا الدين العظيم، وجعل فيها النبي الكريم ومن معه من الصحابة الأبرار، ورفعها لمنزلة الشهادة على الناس، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
إنَّ هذا الاصطفاء الإلهي الكريم قد تمثل في صفوة طبَّقت كتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت نبراسًا للأجيال وأنموذجًا لتميز الأُمَّة الإسلاميَّة، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].
وقد نصَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إبَّان تكوين الدولة الإسلاميَّة على تميُّز الأُمَّة
¬__________
(¬1) عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص 22.

الصفحة 19