كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 1)

عليه أهل مكة الخناق هو وأصحابه، بل يؤذونه ويعذبون أصحابه فيقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (¬1)، وفي يوم الفتح صنع بمن حاربه السنين الطويلة ووقف في وجه الدعوة وقتل أصحابه فعل بهم كما فعل يوسف بإخوته عندما قال: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]. وقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (¬2)، وكانت رحمته -صلى اللَّه عليه وسلم- تسع جميع الناس، ويحس بها كل الناس الضعفاء والأقوياء على حد سواء (¬3)، وعندما طلب منه أن يدعو على المشركين قال: "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" (¬4).
وبهذه الرحمة وما تفعله من آثار وما تتصل به من صفات الجلال والكمال أنشأ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمة الإسلامية، (فالرحمة مبادرة إنسانية. . . توطد مشاعر الإخاء الإنساني. . . وهي التعبير الخلقي العملي عن تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان حين يواجه المرض أو الألم أو حين يقع في
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري 3/ 1282، الحديث رقم [3290]، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، (مرجع سابق).
(¬2) أخرجه ابن هشام: السيرة النبوية: (4/ 55)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، مرجع سابق. وانظر: فاروق حمادة: خطبة الفتح الأعظم (فتح مكة)، ص: (19 - 42)، وفيها تخريج موسع لما اشتملت عليه الخطبة ومصادرها من كتب السنة والسيرة والتاريخ، الطبعة الأولى: (1404 هـ - 1983 م)، عن دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب، العدد [45]، ربيع الأول - جمادى الآخرة: (1416 هـ).
(¬3) مسفر بن سعيد بن دماس الغامدي: رحمه اللَّه، أسبابها وآثارها، مجلة البحوث الإسلامية الصادرة عن إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض: ص: (217، 218)، العدد [45]، ربيع الأول - جمادى الآخرة: (1416 هـ).
(¬4) أخرجه مسلم: صحيح مسلم: (4/ 2007)، الحديث رقم: [2559]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق.

الصفحة 422