كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 1)

ليل مريع، أحاط أبناء القبائل المسلحون طيلة ساعاته بدار الرسول ينتظرون اللحظة التي سيطيحون فيها برأسه ويفرقون دمه بين القبائل.
قال ابن إسحاق: (فلمَّا كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلمَّا رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب: "نمْ على فراشي، وتسجَّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم. . . "، وخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ اللَّه على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم. . .) (¬1).
الثانية: اختيار أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-: ليكون رفيق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخاه في هجرته، وما صاحب ذلك من مشاعر الحب والفداء والتضحية (¬2) والثقة في نصر اللَّه ووعد الحق، ولئن كان المجال لا يتسع لذكر تفاصيل ذلك؛ فإنَّ من المواقف الخالدة ما سجله القرآن الكريم حكاية عن أبي بكر إذ هو مع
¬__________
(¬1) ابن هشام: السيرة النبوية: (2/ 124)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، مرجع سابق، وانظر: عماد الدين خليل: دراسات في السيرة: ص: (137)، الطبعة السادسة: (1402 هـ - 1982 م)، عن مؤسسة الرسالة - بيروت.
(¬2) كان لأبي بكر وأسرته مواقف كثيرة ذكرتها كتب السيرة إبان هجرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. انظر: ابن هشام: السيرة النبوية: (3/ 127 - 129، 130)، ومما وردت من مفادات أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- للرسول كما رواه البيهقي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: (لقد خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، فقال: "يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة خلفي، وساعة بين يدي"؟ فقال: يا رسول اللَّه اذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد، فأمشي بين يديك. . .) الحديث، وفي نهايته قال عمر -رضي اللَّه عنه- وأرضاه: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر)؛ انظر: البداية والنهاية لابن كثير: (3/ 180)، (مرجع سابق)، وانظر: محمد أبا زهرة (خاتم النبيين -صلى اللَّه عليه وسلم- القسم المكي: ص: (623، 624)، وما قبلهما وما بعدها من ص: (608 - 632)، مرجع سابق.

الصفحة 443