كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 1)

والأسود، وتبؤوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلًا ومرجعًا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن حماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها، بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين يأوون إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي وجعل يزداد شيئًا فشيئًا) (¬1) حتى إذا أفاء اللَّه على رسوله وغنم أموال بني النضير (دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين. . . ثم قال: "إن أحببتم قسمت مما أفاء اللَّه علي من بني النضير بينكم وبينهم وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم" فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونوا في دورنا كما كانوا، ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار") (¬2).
- وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: (قالت الأنصار: أقسم بيننا وبين إخواننا النخل قال: "لا" قال: "تكفوننا المؤونة وتشركوننا في التمر" قالوا: سمعنا وأطعنا) (¬3)، فهذه صورة أخرى من الإيثار الذي اتصفت به الأنصار فقد
¬__________
(¬1) السعدي: تيسير الكريم الرحمن: (7/ 334)، مرجع سابق.
(¬2) الإمام الصالحي: سبل الهدى والرشاد: (4/ 325)، مرجع سابق، والواقدي: كتاب المغازي: (1/ 379)، مرجع سابق، والشوكاني: فتح القدير: (5/ 201)، مرجع سابق، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (18/ 18)، مرجع سابق، وانظر: عماد الدين خليل: دراسات في السيرة النبوية: ص: (153، 154)، مرجع سابق، وقد ورد لفظ دعاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لدى مسلم على هذا النحو: "اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار" صحيح مسلم: (4/ 1948)، رقم الحديث: (2506)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مرجع سابق.
(¬3) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: (3/ 1378)، رقم الحديث: [3571] و (2/ 819)، رقم الحديث: [2200]، بلفظ قريب منه، تحقيق: مصطفى ديب البغا، مرجع سابق.

الصفحة 453