كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 1)

وعلى هذا النحو ركزت الدراسات الاستشراقية على بعث الحضارات الغابرة كالحضارة الآشورية ولغتها في العراق، والبربرية في إفريقية الشمالية (¬1)، (ولم يكن الغرض بمثل هذه البرامج إلا أن يضطرب حبل المجتمع الإسلامي، وتتمزق وحدة المسلمين، وتواجه الحضارة الإسلامية واللغة العربية ضررًا، وتنال الجاهلية القديمة حياة من جديد، وقد نجحت كتاباتهم وجهودهم في إنشاء طائفة من تلاميذهم قاموا بحركة إحياء) (¬2) لهذه الحضارات (الغارقة في التاريخ القديم وإحياء اللغات البالية التي فقدت صلاحيتها للبقاء، ودفنت تحت أنقاض الماضي السحيق منذ آلاف السنين) (¬3).
2 - أما إحياء القوميات فإن ذلك امتداد لإحياء الحضارات القديمة ولكن بدهاء ومكر تلون بلون المرحلة التي انطلقت تلك الدعوات خلالها، وحكمتها الظروف التاريخية وسنة التدرج، وما يعبر عنها الغربيون بمقولة (الفعل ورد الفعل) (¬4)، فقد نفخوا الروح المغرضة في القومية الطورانية
¬__________
(¬1) انظر: أبا الحسن الندوي: الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، ص: (185)، مرجع سابق.
(¬2) المرجع السابق نفسه: ص: (185).
(¬3) المرجع السابق نفسه: ص: (185).
(¬4) يقوم بعض المناهج في تفسير التاريخ ونشوء الحضارات وسقوطها على هذه الجدلية بين الفعل ورد الفعل باعتبار أن لكل فعل رد فعل يتكافئ معه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، أما المنهج الإسلامي وبخاصة في مجال الأخلاق فإنه لا يتأتى لهذه الجدلية، وإنما يدفع بالتي هي أحسن، ويقابل السيئة بالحسنة، والإساءة بالعفو والإحسان ولهذا دلائك كثيرة من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، وقوله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص: 54]، وقوله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].

الصفحة 469