كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)
القرآن الكريم عندما أدرك ولاة أمرها (الخطر الداهم الذي لاحت نذره في معركة اليمامة، ويوشك أن يلتهم كل حفاظ القرآن من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وهم الشهود العدول على وثاقة النص المكتوب، وقد كان مفرقًا في لخاف وكرانيف وعسب وأضلاع وأكتاف (¬1)، إلى جانب ما كان في الصدور، ولم يأخذ بعد سورة الكتاب الواحد، اللهم في صدور الصحابة الذين جمعوه حفاظًا على عهد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد بدأت الحرب تقرضهم واحدًا إثر واحد) (¬2).
وفي ذلك روى البخاري عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- عنه قصة جمع القرآن الكريم وهي قصة تنم عن وعي ولاة أمر الأُمَّة، وتحملهم مسؤولية مصالحها، وتثبتهم، وحرصهم الشديد على متابعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل ما يأتي ويذر بغاية الدقة والمحبة والإخلاص، وقد ورد في تلك القصة (أن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- قال: أرسل إليَّ أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن عمر أتاني فقال: إنَّ القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستمر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف
¬__________
(¬1) قال السيوطي في معناه: (العُسْبُ: جمع عَسِيْب، وهو جريد النخل؛ كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، واللخاف [بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء]: جمع لَخْفة [بفتح اللام وسكون الخاء] وهي: الحجارة الدقاق، وقال الخطابي: صفائح الحجارة. . . والأكتاف: جمع كتف؛ وهو العظم الذي للبعير أو الشاة؛ كانوا إذا جَفَّ كتبوا عليه) الإتقان 1/ 58، 59، (مرجع سابق). ولمزيد الاطلاع على مواد الكتابة في الجاهليَّة وصدر الإسلام؛ انظر: محمد قبيسي: القرآن الكريم الوثيقة الأولى في الإسلام: ص 113 - 118، الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م، من منشورات دار الآفاق الجديدة - بيروت.
(¬2) محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم. . . ص 27، (مرجع سابق).