كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)

وثانيهما: أن هذا الحديث أيدلُّ على هذا الحكم أم لا يدلّ؟) (¬1).
ومِمَّا يتصل بالسُّنَّة ما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة من فهم للقرآن والسُّنَّة، وتطبيق لهما في شؤون دينهم ودنياهم، والدليل على ذلك ما ورد من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين: تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (¬2).
وفي حديث آخر يحذر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه أمته من متابعة بني إسرائيل في التفرق، والانحراف عن المنهج الرباني المتميِّز، ويخبر بأن أمته تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النَّار إلَّا واحدة، وحينما قالوا: من هي يا رسول اللَّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" (¬3).
فدلَّ هذا الحديث وما قبله على اتصال سُنَّة الصحابة والخلفاء الراشدين بسنته -صلى اللَّه عليه وسلم-، ذلك أنهم صفوة الأُمَّة وخيارها، وحملة الرسالة وصفهم عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- وعنهم أجمعين بقوله: (أولئك أصحاب محمد أبرُّ هذه الأُمَّة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم اللَّه لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنَّهم كانوا على الهدي المستقيم) (¬4).
¬__________
(¬1) عبد الغني عبد الخالق: حجية السنة: ص 342، (المرجع السابق نفسه)، ولمزيد من الاطلاع على تمسك السلف -ومن تبعهم من أئمة الأُمَّة وعلمائها- بالسنّة واحتجاجهم بها، وإنكارهم على من خالفها، ورفعهم من شأنها، واحترامهم للحديث والتأدب في مجالسه، وعنايتهم بحفظه وكتابته؛ انظر: المرجع السابق نفسه: ص 341 - 382، فقد أورد عن ذلك آثارًا مستفيضة.
(¬2) أخرجه أبو داود: سنن أبي داود 4/ 200، الحديث رقم: (4607)، (مرجع سابق).
(¬3) سبق تخريجه: ص 370، 98، (البحث نفسه).
(¬4) ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين 2/ 141. وانظر: الشاطبي: الموافقات 4/ 58،=

الصفحة 549