كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)
المدينة، ونزلت سورتان فقط، هما (البقرة، وآل عمران) بعد هجرته -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة المنورة (¬1).
ثُمَّ إنَّ هذا المستشرق نسي أو تناسى أن علاقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- باليهود في المدينة كانت علاقة دعوة وجهاد، ولم تكن علاقة تأثرٍ وتلمذةٍ واقتباس (¬2).
6 - أمَّا تأثير الراهب (بحيرى) على الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبب ملاقاته إيَّاه في رحلته التجارية إلى الشام (¬3)، فإنَّ ذلك مردود من الناحيتين العقليَّة والتاريخية:
فمن الناحية العقليَّة كيف يُمكن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يحصل قدرًا من المعارف والعلوم والمغيبات والقصص في لقاءٍ عابر لا يُمكن لعقل سليم أن يتصور مثل ذلك، ولئن كانت بعض مزاعم المستشرقين في هذا الصدد تقتصر على مجرد أنَّه بثَّ في روع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه النبي المنتظر (¬4)، فإنَّ
¬__________
(¬1) انظر: إبراهيم الأبياري: تاريخ القرآن: ص 172، 173، (مرجع سابق).
(¬2) انظر: محمد عبد اللَّه دراز: مدخل إلى القرآن الكريم: ص 151، (مرجع سابق).
(¬3) جاء في المصادر الاسلاميَّة أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سافر مرَّة مع عمه أبي طالب إلى (بُصْرَى) التي كانت موطنًا لصوامع الرهبان ومنهم (بحيرى) وأنَّ عمره آنذاك تسع سنين كما في: الكامل في التاريخ لابن الأثير: 1/ 23، 2/ 278، (مرجع سابق)، والروض الأنف للسهيلي: 2/ 221، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، الطبعة الأولى، 1387 هـ - 1967 م، عن دار الكتب الحديثة، القاهرة، وعيون الأثر لابن سيد الناس: 1/ 52، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي. .، الطبعة الثانية 1400 هـ - 1980 م، عن منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت. وقيل: وهو ابن اثنتي عشرة سنة كما يرى ابن الجوزي في كتابه: الوفا بأحوال المصطفى 1/ 131، الطبعة الأولى 1386 هـ - 1966 م، عن دار الكتب الحديثة القاهرة، إذ يقول: (لَمَّا خرج أبو طالب إلى الشام خرج معه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المرة الأولى وهو ابن اثنتي عشرة سنة).
(¬4) انظر: شوقي أبو خليل؛ كارل بروكلمان في الميزان: ص 35، (مرجع سابق)، أورد مقولات لنفرٍ من المستشرقين أمثال (سيديو) و (نورمان دنيال) و (لوبون)، زعموا فيها أنَّ (القرآن من تأليف الراهب بحيرى أعطاه محمدًا أثناء وجوده في بلاد الشام).