كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)
مجرد هذا البثّ أو الإيهام لا يكفي تفسيرًا لما جاء به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من العلم والحكمة والنبوة.
ومن الناحية التاريخية؛ لم يثبت في كتب التاريخ والسيرة أنَّ أحدًا من قوم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أثار هذا الاحتجاج مع قوته لو وقع بالفعل، وإذ لم يحتج به المشركون مع شدّة عدائهم للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وحاجتهم لمثل هذه الحجة كان ذلك دليلًا على إسقاط هذه الحجّة (¬1).
ومن ناحية أخرى فإنَّ حادثة ملاقاة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- للراهب (بحيرى)، قد أثير حولها كثيرٌ من التساؤلات والتشكيك في سندها التاريخي (¬2)، مِمَّا دعا المستشرق (هوارت) إلى القول: (لا تسمح النصوص العربية التي عشر عليها، ونشرت وبحثت منذ ذلك الوقت بأن نرى في الدور المسند إلى هذا الراهب السوري إلَّا مجرد قصة من نسج الخيال) (¬3).
ولو صحت قصة الراهب (بحيرى) كما وردت في المصادر الإسلاميَّة فإنها حجة لنبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ورسالته وليست ضدها كما فسرها بعض المستشرقين؛ لأن ما تفوه به الراهب (بحيرى) مجرد بشارة بنبوة الرسول
¬__________
(¬1) انظر: ساسي سالم الحاج: الظاهرة الاستشراقية. . . 2/ 333، 334، (مرجع سابق).
(¬2) لدراسة موسعة حول ما قيل عن سند الروايات التي ذكرت رحلة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الشام وخبر ملاقاته بـ (بحيرى) راجع الآتي:
• الذهبي: تاريخ الإسلام. . . 1/ 55 - 60، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، عن دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1409 هـ - 1989 م.
• عماد الدين خليل: دراسة في السيرة: ص 39، 40 وص 271، 272، (مرجع سابق).
• أبو الحسن الندوي: السيرة النبوية: ص 103 - 105، طبعة دار الشروق، جدة، 1977 م.
• محسن عبد الحميد: تحقيق قصة بحيرى، مجلة الجامعة، عدد [4] سنة [9]: ص 69 - 73.
(¬3) نقلًا عن محمد عبد اللَّه دراز: مدخل إلى القرآن الكريم: ص 134، (مرجع سابق)، وانظر: زقزوق: الاستشراق. .: ص 85، (مرجع سابق).