كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)

تأخر) (¬1)، ولَمَّا علم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بقصدهم قال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني" (¬2).
إنَّ مِمَّا يستفاد من هذا الحديث رسمه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهج الوسطيَّة في العبادة، وأنَّه المنهج الذي يحقق التقوى والخشية للَّه تعالى؛ لأن هذا المنهج ليس خاصًا بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بل هو المشرع والقدوة في هذا لأمته، مِمَّا يعني أن الوسطيَّة هي الخيار، وهي الوسط، وأن ما سواها منحرفٌ عن الجادة ومنهي عنه (¬3).
¬__________
(¬1) من حديث أخرجه البخاري: صحيح البخاري: 5/ 1949، كتاب النكاح، باب: الترغيب في النكاح، الحديث رقم: (4776) تحقيق: البُغا، (مرجع سابق)، وأخرجه مسلم، صحيح مسلم: 2/ 1020 الحديث رقم (1401)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (مرجع سابق).
(¬2) من الحديث السابق نفسه: لدى البخاري، وانظر: الشاطبي: الموافقات 2/ 93 - 128، وانظر: 3/ 240 - 251، (المرجع نفسه، مرجع سابق).
وقد أورد الشاطبي شواهد عدَّة على وسطيَّة منهج الإسلام في العبادات من خلال فعل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لتأخذ به الأُمَّة، وأنَّه كان يترك بعض العبادات التي تدخل في باب المستحبات لئلا يشق على أمته؛ وفي ذلك قال الشاطبي: (ومسلك آخر وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. . .) إلى أن يقول: (إنَّ الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لَمَّا فهموا هذا الأصل من الشريعة وكانوا أئمة يُقْتَدى بهم فتركوا أشياء، وأظهروا ذلك ليبينوا أن تركها غير قادح وإن كانت مطلوبة. . . كان أئمة المسلمين استمروا على هذا الأصل على الجملة كان اختلفوا في التفاصيل). المرجع السابق نفسه 3/ 240، 241.
(¬3) انظر: أبا الحسن العامري: الإعلام بمناقب الإسلام: ص 137 - 150، (مرجع سابق).
وانظر: ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان؛ تحقيق: محمد عفيفي 1/ 205 - 213، الطبعة الثانية 1409 هـ - 1989 م، عن دار الخاني. . .، الرياض حيث قرر بعض جوانب تميُّز الأُمَّة الأسلاميَّة في بعض الشعائر الدينيَّة. ولمزيد الاطلاع؛ انظر: مطلب العبودية، فيما يأتي من البحث ص 898 - 899.

الصفحة 654