كتاب دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (اسم الجزء: 2)
في صور كثيرة، منها: الصبر على آذاهم وتقوى اللَّه في ذلك لقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186] , ومنها المجادلة بالتي هي أحسن وبخاصة مع أهل الكتاب لقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، وقد تنتهي المجادلة معهم بالمباهلة لقوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].
ومن صور الجهاد المصابرة والمرابطة لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
قال ابن قيم الجوزية في تفسيرها: (والمصابرة: مقاومة الخصم في ميدان الصبر، فإنَّها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة. . . والمرابطة: وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة. . فالمرابطة كما أنَّها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان. .، وسمّي المرابط مرابطًا: لأن المرابطين يربطون خيولهم ينتظرون الفزع، ثُمَّ قيل لكل منتظر قد ربط نفسه لطاعة ينتظرها: مرابط. . .) (¬1).
وقال في موضع آخر: (وجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى اللَّه تعالى، فلا ينتفع الصبر ولا المصابرة ولا المرابطة إلَّا بالتقوى) (¬2).
وقد تصل مجاهدة الأُمَّة الإسلاميَّة لغيرها من الأمم إلى درجة القتال وعندها فإنَّ للإسلام منهجًا متميزًا لم يشهد له التاريخ مثيلًا، من حيث
¬__________
(¬1) بدائع التفسير 1/ 540، 451، (مرجع سابق).
(¬2) المرجع السابق نفسه: 1/ 543.