كتاب فقه النوازل للأقليات المسلمة (اسم الجزء: 2)

قال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: "ثم يذكر المسألة لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم في الجواب، ويسأل كل واحد منهم عما عنده فإنَّ في ذلك بركةً واقتداءً بالسلف الصالح، وقد قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] وشاوَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مواضعَ وأشياءَ (¬1) وأمر بالمشاورة وكانت الصحابة تتشاور في الفتاوي والأحكام" (¬2).
وعن ابن وهب -رحمه الله- (¬3) قال: سمعت مالكًا -رحمه الله- يقول: "العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق، وكان يقال: التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما عجَّل امرؤ فأصاب، واتَّأد آخر فأصاب إلَّا كان الذي اتَّأد أصوبَ رأيًا، ولا عجَّل امرؤ فأخطأ، واتَّأد آخر فأخطأ إلا كان الذي اتَّأد أيسرَ خطأً" (¬4).
وقد كان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- يسألان الناس عما ليس لهما به علم، ويتحريان في ذلك، وفي الصحيحين حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في جمعِ عمرَ المهاجرين والأنصار لاستشارتهم في أمر الوباء الذي وقع بالشام ومحاجته لأبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهما- (¬5).
¬__________
(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، (8/ 274): "ونبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور أصحابه وكان أحيانًا يرجع إليهم في الرأي، كما قال له الحباب يوم بدر: "يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله تعالى، فليس لنا أن نتعداه، أم هو الحرب والرأي والمكيدة؟ فقال: بل هو الحرب والرأي والمكيدة. فقال: ليس هذا بمنزل قتال، قال: فرجع إلى رأي الحباب".
وهذا الحديث أخرجه محمد بن إسحاق بن يسار (2/ 620 - ابن هشام) ومن طريقه أخرجه الطبري في تاريخ الأمم والملوك (2/ 29)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، وضعَّفه الألباني في السلسلة الضعيفة، (3448).
(¬2) الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، (2/ 390).
(¬3) أبو محمد، عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، الفهري، المصري الفقيه، روى عن أربعمائة عالم منهم: مالك، والليث، وابن أبي ذئب، وروى عنه أصبغ بن الفرج، وسحنون، وأحمد بن صالح، من مصنفاته: الجامع الكبير، والأهوال، وتفسير الموطأ، وغير ذلك، ولد سنة 125 هـ، وتوفي سنة 197 هـ. تهذيب الكمال، للمزي، (16/ 277)، والديباج المذهب، لابن فرحون، (1/ 413).
(¬4) أخرجه البيهقي في "المدخل"، (ص 437)، وذكره ابن مفلح في "الآداب الشرعية"، (2/ 65).
(¬5) أخرجه: البخاري، كتاب الطب، باب: ما يذكر في الطاعون، (5729)، ومسلم، كتاب السلام، باب: الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، (2219).

الصفحة 687