ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬1)، فلما كان السائل جاهلًا بطهورية ماء البحر، فقد تحقق جهله بطعام البحر وميتته؛ فلذا أجاب عن سؤاله، وزاده بما يحتاج إليه مما عرف أنه يجهله.
وقد ترجم البخاري -رحمه الله- لذلك في صحيحه، فقال: "باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله عنه"، ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- "ما يلبس المحرم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف، إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين" (¬2).
فالسؤال عما يلبس المحرم، ولمَّا كان المُحَرَّمُ عليه أمورًا معينة، وبيانها أنفع ليجتنبها ويلبس ما عداها عدل إلى بيان ما يَجتنبُ المحرم لبسه.
ثاني عشر: سلامة الفتيا والجواب من الغموض والمصطلحات الخاصة:
لما كانت الفُتيا بيانًا للحكم الشرعي، وتحمل في طياتها تبليغًا للسائل وجب تقديمها بأسلوب بيِّنٍ واضح قويم، يفهمه السائل بلا التباس، ويدركه أوساط الناس، قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
لذا كان من المتحتم أن تصاغ الفتوى بأسلوب محرَّرٍ رصين خالٍ من المصطلحات
¬__________
(¬1) أخرجه: أبو داود، كتاب الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر، (83)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور، (69)، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب: الوضوء بماء البحر، (386)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب: ماء البحر (59)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (111)، وابن حبان (4/ 49، 12/ 62)، والحاكم (1/ 142).
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: كراهية التعري في الصلاة وغيرها، (364)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة. . . (1177) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعًا.