أصلًا قائمًا بذاته، بل كان داخلًا في الأصول المقررة عندهما كالقياس والاستحسان، ولكن ابن حزم -رحمه الله- يستنكر الاجتهاد عن طريق الذرائع؛ لأن ذلك من أبواب الرأي، والرأي عنده مستنكر كله (¬1).
وعليه فقد فرَّع الفقهاء فروعًا تحت هذا الأصل، فمن ذلك: تحريم بيع السلاح زمن الفتنة (¬2).
وتحريم بيع العنب لمن يعصره خمرًا (¬3).
كراهة تزويج الكتابيات الحرائر عملًا بمذهب عمر -رضي الله عنه- وموافقة الصحابة، لما رأى انصرافًا عن المسلمات ورغبة في غيرهن لجمالهن، ويتأكد المنع إذا ترتب عليه تبعية الأبناء لأمهم في دينها (¬4).
ولما رأى عمر -رضي الله عنه- اجتراءَ الرجال على التطليق بلفظ الثلاث أوقعه عليهم ثلاثًا، ووافقه على ذلك الصحابة سدًّا لهذا الباب، وتأديبًا على الطلاق بلفظ يخالف السنة (¬5).
وقد أفتى الصاحبان من الحنفية بتضمين الصناع والأجير المشترك ما تلف بيده من الأموال وفاقًا للمالكية، وخلافًا لأبي حنيفة؛ وذلك لما وقع التهاون في أموال الناس (¬6).
وقال ابن النجار: "وتسد الذرائع -وهي ما ظاهره مباح ويُتوصل منه إلى محرم- ومعنى سدِّها: المنع من فعلها لتحريمه، وأباحه أبو حنيفة والشافعي" (¬7).
والمجتهد ينظر إلى الذرائع بحسب قوة إفضائها إلى الواجب أو المحظور؛ فما كانت مفسدته
¬__________
(¬1) ابن حزم حياته وعصره آراؤه وفقهه، لمحمد أبي زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، (ص 424).
(¬2) شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (1/ 157)، الكافي، لابن عبد البر، (2/ 677)، مواهب الجليل، للحطاب، (6/ 50)، البحر الرائق، لابن نجيم، (5/ 154).
(¬3) شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (1/ 157)، الكافي، لابن عبد البر، (2/ 677)، مواهب الجليل، للحطاب، (6/ 50).
(¬4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (2/ 267)، المهذب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، (2/ 44)، المغني لابن قدامة، (9/ 546).
(¬5) سبق تخريجه.
(¬6) بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 211)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (4/ 29).
(¬7) شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (4/ 434).