كتاب فقه النوازل للأقليات المسلمة (اسم الجزء: 2)

راجحة وإفضاؤه قريبًا بكثرة أو غلبة فمنعها وتحريمها متجه (¬1).
وفي بلاد الأقليات يحتاج إلى هذه القاعدة سدًّا للذريعة، وأحيانًا فتحًا لها؛ لتحصيل مصالح أو لدفع مفاسد قد لا تتأتَّى إلا من خلال إعمال هذه القاعدة.

حادي عشر: شرع مَنْ قبلنا:
يقصد بشرع من قبلنا: الأحكام التي سنَّها الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل المتقدمين على نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فيدخل في ذلك الشرائع الكتابية من يهودية ونصرانية، وغيرها من الشرائع (¬2).
وقد اختلف في شرع من قبلنا من حيث حجيته إلى ثلاثة أقسام؛ واسطةٍ وطرفين، طرف يكون فيه شرعًا لنا إجماعًا، وآخر لا يكون شرعًا لنا إجماعًا، وواسطة اختلفوا فيها (¬3).
فأما الأول: فما هو شرع لنا إجماعًا، وهو ما ثبت في شرعنا، وعليه فالحجة قائمة على مشروعيته من شريعتنا أولًا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183].
وأما الثاني: فما ليس بشرع لنا إجماعًا وهو أمران:
أولهما: ما ثبت في شرعنا النهي عنه، أو نسخه ورفعه؛ كالآصار والأغلال التي كانت على من سبقنا من الأمم؛ قال تعالى {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286]؛ قال الله تعالى: قدْ فَعَلْتُ (¬4).
ثانيهما: ما لم يثبت أنه كان شرعًا لمن قبلنا؛ كالمتلقَّى من الإسرائيليات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -
¬__________
(¬1) إعلام الموقعين، لابن القيم، (3/ 136)، الموافقات، للشاطبي، (2/ 359) وما بعدها.
(¬2) المسودة، لآل تيمية، (ص 193).
(¬3) أضواء البيان، للشنقيطي، (6/ 86)، الوجيز في أصول الفقه، د. عبد الكريم زيدان، دار الرسالة، بيروت، (ص 263 - 264).
(¬4) أخرجه: مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أنه -سبحانه وتعالى- لم يكلف إلا ما يطاق، (126)، من حيث ابن عباس -رضي الله عنهما-.

الصفحة 767