نهانا عن تصديقهم وتكذبيهم فيها (¬1)، وما نهانا - صلى الله عليه وسلم - عن التصديق به لا يكون مشروعًا بالإجماع (¬2).
وأما الثالث فهو محل الخلاف: وهو ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، ولم يبين لنا في شرعنا أنه مشروع لنا، أم غير مشروع، وقد جرى الخلاف في هذه المسألة على قولين:
أولهما: شرع من قبلنا شرع لنا:
وهو مذهب جمهور الحنفية، وقول الشافعي، وأحمد في أصح الروايتين، وعليها أكثر أصحابه (¬3). وعزاه ابن تيمية إلى جماهير السلف والأئمة (¬4).
الثاني: شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا:
وهو قول كثير من الشافعية؛ كالغزالي والرازي والآمدي، ورواية عن أحمد (¬5).
واستدلَّ كل فريق بأدلة من الكتاب، والسنة، والنظر العقلي.
وعلى ترجيح القول الأول الذي قال به الأكثر فإن الخلاف فيما يبدو لا يترتب عليه كبير أثر في العمل؛ لأن المثبتين له يشترطون كونه ثابتًا بكتاب الله، أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا
¬__________
(¬1) أخرجه: أبو داود، كتاب العلم، باب: رواية حديث أهل الكتاب، (3644)، والإمام أحمد في "مسنده"، (4/ 136)، وغيرهما، من حديث أبي نملة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنده رجل من اليهود، مر بجنازة، فقال: يا محمد؛ هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الله أعلم! فقال اليهودي: إنها تتكلم! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم؛ وقولوا: آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلًا لم تصدقوه، وإن كان حقًّا لم تكذبوه". وصححه ابن حبان (14/ 151).
(¬2) أضواء البيان، للشنقيطي، (6/ 86).
(¬3) أصول السرخسي، (2/ 104)، أحكام القرآن، لابن العربي، (1/ 38)، التمهيد، للإسنوي، (441)، الإبهاج، لابن السبكي، (2/ 276)، روضة الناظر، لابن قدامة، (ص 160 - 161)، المسودة، لآل تيمية، (ص 193).
(¬4) دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية، جمع وتحقيق: د. محمد السيد الجليند، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، ط 2، 1404 هـ - 1984 م، (2/ 55).
(¬5) التبصرة في أصول الفقه، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، تحقيق: د. محمد حسن هيتو، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1980 م، (ص 285)، المستصفى، للغزالي، (1/ 165)، الإحكام، للآمدي، (4/ 147)، روضة الناظر، لابن قدامة، (ص 161).