كتاب من حديث النفس

كان ذلك من غير المسلم، أما المسلم فلا يرى في تلك الساعة إلاّ ما هو قادم عليه.
وازدحمت عليّ الخواطر فيما أفعله، فحاولت التشهد والتوبة أولاً، فلم أستطع النطق بشيء مما كان في فمي من الماء. وازدادت عليّ الآلام ولكنها لم تقطع خواطري، وكان ذهني في نشاط عجيب ما أحسست مثله عمري كله، وكنت بين خوف من الموت ورغبة فيه: أرغب فيه أرجو أن تكون هذه الميتة على الإيمان، وأخاف لأنه ليس لديّ ما أقدم به على الله، وقد فاجأني الموت كما يفاجئ الامتحان التلميذ المهمل الذي لا يزال يؤجل المطالعة والحفظ ويقول: الامتحان بعيد ... وتمضي الأيام، حتى إذا رآه صار أمامه قطع أصابعه ندماً وأذهب نفسه حسرة، وما نفعه ذلك شيئاً.
هذا وهو امتحان يسير أسوأ ما فيه أن تذهب بالسقوط فيه سنة من عمره سدىً، فكيف بالامتحان الأعظم الذي ما بعده إلاّ النعيم الأبدي في الجنة، أو الشقاء الطويل في النار؟ الامتحان الذي ليس فيه «إكمال» ولا تُعاد له دورة ولا يُجبر فيه «كسر» درجة، ولا تنفع فيه شفاعة شافع ولا وساطة ذي جاه أو مال؟ ورأيت موقف الحساب رأي العين، وقد شَغلت كلَّ امرئ نفسُه، والناس يُدعَون ليأخذوا نتائج الامتحان، فمَن أخذ كتابه بيمينه وحُمل إلى الجنة فهذا هو الفائز، ومن أخذ كتابه بشماله وسيق إلى النار فهذا هو الخاسر، وهذا هو الخسران المبين.
وعرضت عملي فلم أجد لي عملاً من أعمال الصالحين، فلا أنا من أهل المراقبة الذين لا يغفلون عن الله طرفة عين، ولا أنا من

الصفحة 287