كتاب من حديث النفس

فكيف أجلس مع الضيف أساقطه لغو الحديث وهو فارغ الفكر جاء يتسلى ويدفع الساعات التي لا يجد له فيها عملاً، وأنا قاعد على مثل الجمر أفكّر في المطبعة التي تنتظرني فاتحةً فاها كجهنم تنتظر المقالة؟
لقد صيّرتني هذه المقالات وهذه الأحاديث غريباً وأنا في بلدي، وحرمتني حديث المجالس ولقاء الإخوان. لقد طار النوم من عيني الآن فقمت إلى المكتبة ... وسألتني ربة الدار والنوم يغالبها: هل من شيء؟ فلم أجب ... إنها ستسمع الجواب في هذا الحديث.
وهذه أيضاً من مصائب الأدب. للناس أسرار بينهم وبين أهليهم وأسرار يطوون عليها جوانحهم، والأديب المسكين ليس له سرّ، عليه أن يشرك القراء معه في أسراره كلها، حتى في أخباره في بيته، حتى في أدق مشاعره وأعمق عواطفه، عليه أن يصفها للناس ويحدثهم بها، فخفايا الأديب معلَنة وأسرار الأديب مذاعَة، فيا بؤس الأدباء!
هذه حالي يا أيها السامعون، وهذه هي الليلة الرابعة التي لا أنام فيها.
هذه حالي وأنا في هذا البلاء من إحدى وثلاثين سنة. نعم يا سادتي، من إحدى وثلاثين سنة وأنا أفكر للقراء، وأحس للقراء، وأعيش للقراء؛ همّي أن أصفّ كل يوم كلاماً أقدمه لهم، أنتزعه من روحي ومن نفسي ليكون متاعاً لهم يتسلون به في أوقات

الصفحة 296