كتاب من حديث النفس

الفراغ، أما السامعون فإن لي معهم سبع عشرة سنة ما انقطعت فيها عن حديثهم إلا فترات.
سبع عشرة سنة وأنا أحدثكم! أفما تنفد الموضوعات؟ أما أمَلُّ أو تملّون مني؟ دعوني أسترِح قليلاً وتستريحوا مني!
أقسم لكم بالله أني حين أجد في برامج الإذاعة ما يمنع من حديثي، حفلة أو مباراة أو شبهها، أفرح كما يفرح التلميذ الذي يجد المدرسة مغلقة لأن اليوم عيد! لقد لبثت ثلث قرن وأنا أكتب، أكتب دائماً، حتى زاد ما طُبع من كتاباتي على خمسة عشر ألف صفحة لم أعُدَّ منها الخطب التي خطبتها ولم أكتبها فضاعت (وهي تزيد على ألف خطبة)، وأنا أحسُّ -مع ذلك- بأن عندي شيئاً لم أقله، ولا أجد الوقت الكافي لأقوله ... هو العمل الأدبي الخالد الذي أهم به وتشغلني عنه هذه الأحاديث وهذه المقالات.
إن لكل امرئ طاقة، وأنا لم أعد أحتمل. فإذا رأيتموني قد انقطعت فجأة عن هذا الحديث وعن الكتابة في الصحف والمجلات فلا تعجبوا، لأني أكون قد قررت الهرب.
إني أطلب إجازة، فهَبوني موظفاً أو عاملاً، أفليس من حق الموظف أو العامل أن يُجاز أياماً ليستريح؟
لقد كنت أكتب والشباب موات والحماسة تملأ النفس والرغبة في الشهرة والمجد الأدبي تحفز إلى العمل، أكتب وأعرض المقالة على الناشر لا أطلب منه مالاً ولا أجراً إلا نشرها، فإن رأيتها منشورة ملأ الزهو والفرح قلبي فوجدت المكافأة حاضرة، فأقبل

الصفحة 297