كتاب من حديث النفس

عليّ الآن الناشر يطلب مني، وعرض الأجر الكبير والمال الوفير، ولكني فقدت الحماسة وماتت في نفسي الرغبة في الشهرة حين نلتها فوجدتها سراباً.
سراب والله! هل تعرفون السراب؟ إن سالك الصحراء يراه من بعيد كنبع الماء الصافي، فإذا جاءه لم يجد شيئاً.
هذه هي الشهرة! وأنا أكتب عنها عن خبرة. لقد صار يعرف اسمي ملايين، وتُرجم كثير مما كتبت إلى الفارسية والأوردية وترجم شيء منه إلى الإنكليزية، وتجيئني كتب من القراء والسامعين من أندونيسيا في أقصى المشرق ومن مراكش في المغرب. فماذا في هذا كله؟ ما ينفعني وماذا يصير في يدي منه؟ ما ينفعني وأنا منفرد في داري أن يمدحني ملايين من الناس ويقولوا إني أديب العرب، وما يضرني أن يقولوا إني أكبر دعيّ وأجهلُ جاهل؟ أو أن لا يمر على ألسنتهم اسمي ولا يعرفوني؟
وما المجد الأدبي؟ هو أن تَرِد عليك كتب المعجبين، وأن تُقام لك حفلات التكريم، وأن تكتب عنك الصحف؟ لقد رأيت هذا كله من أكثر من عشرين سنة، فصدقوني حين أقول لكم إنه سراب.
إن الحقيقة الوحيدة من ثمار الأدب هي أجور المقالات وما نرجو من ثواب الله! ولقد أخذت على مقالاتي أكبر أجر أخذه كاتب عربي؛ قبضت غير مرة ثلاثمئة ليرة على المقالة الواحدة، وقبضت ألف ليرة على المحاضرة الواحدة ... والمال حقيقة ليس سراباً، ولكن ماذا أصنع بهذا المال؟

الصفحة 298