كتاب مواعظ الصحابة لعمر المقبل

• ومن مواعظة البديعة قوله - رضي الله عنه - (¬1): «ما من عاملٍ يعمل عملًا إلاَّ كساه الله عز وجل رداء عمله». ويروى عنه أنَّه قال «ما أسرَّ أحدٌ سريرةً إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه». وقال مرةً - رضي الله عنه - «لو أنَّ عبدًا دخل بيتًا في جوف بيتٍ فأدمن هناك عملًا، أوشك الناس أن يتحدَّثوا به، وما من عاملٍ يعمل إلا كساه الله رداء عمله؛ إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌّ» (¬2). إنَّ فيما ذكره أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - في موعظته - إرشادًا لنا أن نتَّقي الله في سرائرنا، وأن نعامل الله بالصدق وليس غيره؛ إذ لا نجاة مع الله في الدُّنيا والآخرة إلا به، قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]، وفي المقابل فإنَّ المرء إن حاول أن يخفي شيئًا خلاف سريرته، فإنَّ الله تعالى يظهره ولا بدَّ، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌّ، كما قال عثمان - رضي الله عنه -، وتأمَّل ما حكاه الله تعالى عن المنافقين: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30]، فهذا المنافق يجتهد في كتمان نفاقه، فأخبر الله أنَّه سيظهر أمرهم في لحن قولهم، وكذلك المؤمن الذي يجتهد في كتمان إيمانه - كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون - سيظهر إيمانه على لسانه عند المخالفين الذين يخالفهم، فويل للمنافقين، وبشرى للصادقين! ومن الدواء لعلاج الخلل في شأن السريرة: ما ذكره سلمان - رضي الله عنه -،
¬_________
(¬1) فضائل عثمان بن عفان؛ لعبد الله بن أحمد (ص116).
(¬2) الزهد والرقائق؛ لابن المبارك، والزهد؛ لنعيم بن حماد (2/ 17).

الصفحة 42