كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

شاملةً يتحاكمُ إليها المُسلم في كُلِّ شؤونه الدّنيوية والدِّينية؛ ويزعم أَنَّ جعل هذه النُّصوص -ويعني: الكتاب والسُّنّة- في رُتبة الحاكم المُطلق الّذي تُرَدُّ إليه الخصومات، وتفئ إليه الجزئيات =إنّما هو من توليد الفكر الدِّيني، لا أنّ ذلك نابع مِن حقيقتها التي أَرادها الله منها، ثمّ إنّ بَسْطَ سلطان هذه النُّصوص -بِزعْمِه- سببٌ في تضاؤل سُلطة العقل!
فتأمل قولَه: (. .إِنَّما ينشأُ التَّصادمُ بين العقل وسُلطة النُّصوص؛ وذلك أَنَّه حين تتحوَّل النُّصوص إلى سُلطة مُطلقةٍ، ومَرجعيَّة شاملةٍ بفعل الفكر الدِّيني ... .تتضاءل سُلطة العقل، وفي تضاؤلِ سُلطة العقل يكمنُ التَّخلّف الَّذي نُعانيه على جَميع المُستويات والأَصعدة) (¬١)
ويقول عادل ضاهر: ( ... أَي مَصدرٍ نلجأ إليه غير العقل، مهما كانت درجةُ مَوثوقيَّته، فإنَّها لا تَرْقى إلى مُستوى مَوثوقيَّة العقل. إنَّ هذا ما توضِّحهُ الأُطروحة الثَّانية في تأكيدِها على كون الاعتبارات العقليَّة في حال حصول تعارضٍ بينها وبين الاعتبارات الصَّادرةِ من مصدر غير عقلي =هي دائمًا مُبطلة للأخيرة. فإذا كان اللُّجوء إِلى السُّلطةِ المُناسِبةِ للحُصولِ على مَعلومات مُعينة له ما يوجبه في ظلِّ ظروفٍ مُعيَّنة=فإنَّ هذا لا يجوزُ أن يُنسِينا أنَّ موثوقيَّة هذه السُّلطةِ، بدئيًّا، تأسَّست على أدلَّة عقليّة، وأنَّه في أيِّ لحظَةٍ قد تظهر أَدلّةٌ عقليَّةٌ جديدةٌ تضع مَوثوقيَّة هذه السُّلطةِ موضع السُّؤال. وفي حالِ ظهور أَدلَّةٍ كهذه؛ فإنَّ اللجوءَ إلى هذه السُّلطة يُصبِحُ أَمرًا مُتعارضًا مع الاعتباراتِ العقليّة، وإذا كانت اعتباراتٌ من النَّوعِ الأخير. .هي الأكثر موثوقيَّة، إذن ما يتبع فورًا هو أنَّ من يُريد أن يضمن اقترابَه من معرفةِ الحقيقةِ إلى الحدِّ الأقصى -في الحالة التي تَعنينا-=لايملكُ سوى أن يُعطي للاعتبارات العقليَّة وزنًا أكبر من
---------------
(¬١) "الإمام الشَّافعي وتأسيس الأيدلوجيَّة الوسطيَّة"نصر حامد أبوزيد (١٦)

الصفحة 34