كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

أسبابٍ قد يأتي بها من يتبنَّى مَوقِفًا كهذا لتدعيمِ موقفِهِ.
ولكن قد يتساءلُ بعضهم: لماذا لا نُطالب مَن يَرفض قِصَّة الخلق، أو الفهم الحرفي لها بالأحرى في وجه الأدلَّة المُشار إليها؛ بإعطاء أَسباب لترجيحهِ أحكام العقلِ على النَّقلِ؟ =الجواب بسيطٌ، وهو يتلخَّص في القول: إنّ العقل أثبتَ موثوقيتَه خِلال أزمنة طويلة وضعت طُرقَه ومبدءه، ومعاييرَه فيها باستمرار على مَحكِّ التجرِبَةِ العمليَّة (¬١) .. ) (¬٢)
ويقول محمّد حمزة: (إنَّ العقلَ بما هو فعَالية اجتماعيَّة تاريخيَّة متحرِّكة قابل للخطأ لكنَّه وبنفْسِ الدَّرجةِ قادرٌ على تَصْويبِ أخطائهِ؛ ولأَنّ العقلَ سُلْطَةٌ اجتماعيَّةٌ وتاريخيَّةٌ =فهو ضدُّ الأحكامِ النِّهائية والقطعيّة ... هكذا يُصبحُ العقلُ أوَّلًا والنَّصُّ ثانيًا (¬٣)؛ لأنَّ النَّصَّ يجِبُ
---------------
(¬١) هذا عين التناقض! إذ كيف تجتمِعُ الثِّقةُ بالعَقْل مع ديمومة المُراجعةِ لأحكامِهِ، والفَحْص لنتائجه؟! فخضوعُهُ للفحصِ والمراجعةِ بُرهانٌ بيِّن على قُصوره، و استحالة الثِّقةِ بحُكمه على جهة الاطِّرادوالتَّاريخُ شاهد بثبوت خطإ ما يُظنّ أنّه من يقين العقل في حالات، ولم يَثبُت خطأ ما صحَّ من النَّقلِّ ثبوتاً ودلالةً ولو مرّة واحدة =فمنهج العقلِ يَقْضِي حينئذ بتقديم اليقين النّقلي على مايتعارض معه -في الظاهر- من دلالةٍ عقليّةٍ قابلة للاستدراك والمراجعة.
(¬٢) "أوليَّة العقل"لعادل ضاهر (١٨٨ - ١٨٩)
(¬٣) القول بأوليَّة العقل على النَّقل حكمٌ قطعي نهائي عند محمد حمزة، وهذا الحكم مُناقض لما قرَّره قبل ذلك من أنَّ العقل ضد الأحكام القطعيَّة النِّهائيّة. فانظر: كيف جمع في سِياق= =واحد بين النقيضين؟!

الصفحة 36