كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

فيقال: إنَّ التعارضَ المنفي في أَقوالهم تراه عند التأمَّل، يقع في فلَك ما لا يُعارض معقولًا اسَّتقرَّ لديهم، أَو فيما كان من قبيل الشَّرعِ المُبدَّل -لا المُنزّل- أي الشَّرع الّذي سُلِّط عليه آلة التأويل ليُوافق أُصولهم الثَابتة لديهم.
الأَمرُ الثَّالثُ: أنَّ العقلَ المقول بأوليَّته غير منضبِطِ المعالم لدى أَصحابه، فالطوائفُ الكلاميَّةُ على ما بينها من شَتات في الأُصول، تنصبُ كُلُّ طائفة منها أُصولها عقلًا تُحاكمُ إليه الدَّلائل الشَّرعيّة، وهذه الأُصول درج عليها حتَّى المُتأخرون ممن انتحل طريقتهم، إلَاّ أنَّ فئامًا منهم -كالشَّيخ محمد عبده، مثلًا-لم تكن المركزيَّة لديهم لعقل واحدي وهو العقل المُستبطِن أُصول الطائفة، بل أَصبح العقل لديهم مُركَّبًا من أُصول الطَّائفةِ التي ينْتَحِلون طريقتها وممَّا استولده الفكر البشري من نظريَّاتٍ علميَّةٍ ثبتت قطعية بعضها ولم يرق كثيرٌ منها إلى رُتبة الحقائق المقطوع بها =ممَّا آل إلى توسيع دائرة المُناقضة للدَّلائلِ الشَّرعيَّةِ.
وأَمَّا العقلُ عند التيَّارات الفكريّة الحديثة فمع اختلاف جذورها المعرفيَّة، إلَّا أنَّ الأَصلَ الجامع والقدر المُشترك الّذي يتبدَّى بينها =منح المركزيَّة للعقل المادِّي الَّذي يُرجِع كُلَّ شيء إلى عالم المادة وينْفي ما جاوزها من الغيبيَّات والمُطلقات.
ومُحصَّلُ القول أنَّ العقلَ الذي يلحُّ المخالفون على أوليَّته، لا يضْبِطه حدٌّ، وليس بين هذه العقول ائتلاف=فنتج من ذلك استحالة القول بأوّليّتِهِ.

الصفحة 40