كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد
المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان .. ):
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مَوْلُودٍ يُولَدُ إلا نَخَسَهُ (¬١) الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ (¬٢) صَارِخًا من نخسة الشَّيْطَانِ إلا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ) قال أبو هُرَيْرَةَ: (اقرؤوا إن شِئْتُمْ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} آل عمران: ٣٦) أخرجه مسلم (¬٣).
وفي رواية له: (كُلُّ بَنِي آدَمَ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ يوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إلا مَرْيَمَ وَابْنَهَا) (¬٤).
بإجالة النظر في الحديث السالف؛ يمكن إجمال القول في الآتي:
الفقرة الأولى: بيان مدلول الحديث عند أهل العلم.
الفقرة الثانية: نفْي التلازُم بين النخس والمسّ للمولود، وبين إضلاله وإغوائه.
الفقرة الثالثة: بيان أن اختصاص عيسى - عليه السلام - وأمه بهذه الخصيصة لا يلزم منه الرُّجحان بالأفضلية على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أَمَّا الفِقْرة الأُولى: فقد أفاد الحديث المتقدم أن الشيطان يتسلّط بالنَّخس على جميع وَلَد آدم؛ بما فيهم الأنبياء، والأولياء، وغيرهم. ويستثنى من ذلك: عيسى، وأمه مريم عليهما السلام.
وهذا العموم دليله أمران:
---------------
(¬١) نخسه: النّخْس بالشي المحدّد؛ كرؤوس الأصابع. "كشف المشكل" (٣/ ٣٢٥)
(¬٢) الاستهلال: الصياح = " فتح الباري" (٦/ ٥٧٣ - ط/دار السلام)
(¬٣) أخرجه مسلم في: كتاب "الفضائل " باب "فضائل عيسى - عليه السلام - " (٤/ ١٨٣٨ - رقم [٢٣٦٦]).
(¬٤) المصدر السابق.