كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد
وأما الموقف الثاني؛ فذهب إليه: ابن قتيبة (¬١)، وأبو جعفر الطحاوي (¬٢)، والخطابي (¬٣) . ونُسب إلى إبراهيم الحربي؛ حيث ذكروا عنه في تفسير هذا الحديث قوله: (معناه: ظهر عليه - أي الشيطان - وسخر منه) (¬٤) .
وأَمَّا الموقف الثالث؛ فهو ظاهر اختيار الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله -؛ حيث قال مُبينًا الشرور التي يتسلط بها الشيطان على الإنسان: (ومن شرّه: أنه يبول في أُذن العبد حتى ينام إلى الصباح، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ) (¬٥) .
والذي يترجَّحُ - والله أعلم - أَنَّ ما ذهب إليه الإمام ابنُ قيِّم الجوزيَّة - رحمه الله - والذي يمثل الموقف الثالث = هو ما ينبغي حَمْل الحديث عليه، وذلك للأسباب التالية:
السبب الأول: أن حَمْل بول الشيطان على الحقيقة هو الظاهر، ولا يصح العدول عن الظاهر إلا بدليل مانع يمنع من إجرائه على ذلك.
السبب الثاني: أنه ليس هناك ما يُحيل أن يكون بول الشيطان على حقيقته؛ فالأمر كما قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله -: (يَصحُّ إبقاؤه على ظاهره؛ إذ لا إحالة فيه، ويفعل ذلك استهانةً به) (¬٦) وقد ثبت أن الشيطان يأكل، ويشرب، وينكح = إذا كان ذلك على الحقيقة، فكذلك البول.
ومنع الطحاوي - رحمه الله - وغيره، حمل ذلك على الحقيقة، وإجرائه له على
---------------
(¬١) انظر " إكمال المعلم " (٣/ ١٣٩) .
(¬٢) انظر: " مشرح مشكل الآثار " (١/ ٦٠٣ - تحفة الأخيار) .
(¬٣) انظر " أعلام الحديث " (١/ ٦٣٥) .
(¬٤) انظر " شرح صحيح مسلم " (٦/ ٦٤) .
(¬٥) " بدائع الفوائد " (٢/ ٧٩٧) .
(¬٦) " المفهم " (٢/ ٤٠٧) .