كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد
(الرُّؤيا الصَّادقةُ من الله، وأَنَّها من النُّبوَّة، وأَنَّ التصديق بها حقٌّ، وفيها من بديع حكمة الله ولطْفِه، مايزيد المؤمن في إيمانه =ولا أعلمُ خلافًا بين أهل الدِّين الحقِّ، من أهل الرأي والأَثَرِ، خلافًا فيما وصفتُ لك، ولا يُنكر الرُّؤيا إلَاّ أهل الإلحاد؛ وشرذمة من المعتزلة) (¬١) .
وبمقتضى هذه الدَّلائل أجرى أهل السنة والجماعة أَقلامهم عند تحريرهم لمسائل الاعتقاد بإثبات الرُّؤيا، وأَنَّها من الله تعالى؛ متى ما تميز صدقها وظهر. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: (والرُّؤيا من الله عز وجل، وهي حَقٌ؛ إذا رأى صاحبُها شيئًا في منامِهِ ما ليس هو ضِغْثٌ، فقصَّها على عَالمٍ، وصَدَق فيها، وأوَّلها العالِمُ على أَصل تأويلها الصحيح، ولم يُحرِّف = فالرُّؤيا حينئذٍ حقٌّ. وقد كانت الرُّؤيا من الأنبياء وحيٌ = فأيُّ جاهلٍ أجهلُ ممن يطعن في الرُّؤيا، ويزعم أنَّها ليست بشيءٍ؟!) (¬٢) .
وقال أبو عمرو الدَّاني - رحمه الله - (¬٣) مقرِّرًا أقوال أهل السنة في الاعتقاد: (ومن قولهم: إن التصديق بالرُّؤيا واجب، والقول بإثباتها لازم، وأنها جزء من أجزاء النبوة، كما ورد الخبر بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ) (¬٤) .
وقال الإمام الحافظ ابن منده - رحمه الله -: (ومن ينكر الرُّؤيا، ويزعم أَنَّها ليست بحقيقة = فهو من الجاحدين للنبوة. فنسأل الله تعالى الإيمان بالغيب، ونعوذ بالله من الشك والريب) (¬٥) .
---------------
(¬١) "التمهيد" (١٦/ ٧١) .
(¬٢) "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (١/ ٦٣) .
(¬٣) أبو عمر الداني (٣٧١ - ٤٤٠ هـ):هو عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي، مولاهم، أبو عمرو الأندلسي، القرطبي، ثم الداني. يعرف بـ "ابن الصيرفي". إمام حافظ من الأئمة القراء، من مصنفاته: "جامع البيان في القراءات السبع"، و " البيان في عَدِّ أي القرآن" =. انظر: "سير أعلام النبلاء" (١٨/ ٧٧)، و "طبقات المفسرين" للداودي (١/ ٣٧٣ - ٣٧٥) .
(¬٤) "الرسالة الوافية" (٩٦) .
(¬٥) "جزء فيه ذكر أبي القاسم بن أحمد الطبراني" (٤٥) .