كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

ثم؛ ما يحصل من الاختلاف والتعاقب بين هذين الفصلين بالنسبة للكرة الأرضية لا يقدح في دلالة الحديث؛ لأن تنوُّع النِّسب والإضافات لا يقدح فيما هو ثابت في نفسه.
الجواب عن الشبهة الثالثة:
وأما دعواهم بأنه يستحيل صدور شدة البرد من النار؛ لكون ذلك مخالفًا لطبيعتها؛ وإلا للزم الوقوع في التناقض = فيقال:
إن ذلكَ يَصحّ لو أن النار الأخروية نَمَطًا وشكلًا واحدًا كنار الدنيا، أَما مع اختلافهما فلا. ومثار الغَلَط في هذه الدعوى يكمن في أَمرين:
الأول: قياسهم الفاسد الذي جعل من الواقع المشاهد معيارًا للحكم على الغائب، وأَصلًا يُردّ إليه؛ ولو مع تحقق الاختلاف بين الأصل والفرع.
فالنار الأُخروية: دار أَعدها الله تعالى للعقاب، قد حوت صنوفًا من العذاب الأليم، وهي دركات وطبقات؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} النساء: ١٤٥. وقال: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)} الحجر: ٤٣ - ٤٤. وقال عز وجل: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤)} الواقعة.
فشدة البرد على هذا تكون منبعثة من طبقةٍ زمهريريةٍ من طبقات جهنم (¬١)، فلا تناقض حينئذٍ.

[الأمر الثاني: أَنَّهم ظَنّوا أن الشيء الواحد لا يمكن أن يصدر عنه إلا شيء واحد = وهذا باطل نقلًا ونظرًا، فالشَّمس هذه يقرون بأن بسبب قرب الأرض منها ودورانها حولها يحدث البرد والحر، والصيف والشتاء. فكيف سوغوا حصول هذه المتضادات من الشَّمس مع كونها كتلة مُلْتهبة = ولم يقبلوا تسويغ ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!] [*].
---------------
(¬١) انظر: " فتح الباري " لابن حجر (٢/ ٢٧ - ط دار السلام).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأضفناه من أصل الرسالة الجامعية

الصفحة 796