كتاب دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

شَهِده ابن عباس منه - صلى الله عليه وسلم - =وإنما المحكم و آخر الأمرين منه - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء ممَّا مَسَّت النار. لذا روى ابن عباس أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (جمع عليه ثيابه ثم خرج إلى الصلاة فأُتي بهديَّةٍ خُبْزٍ ولَحْمٍ. فأكل ثلاثَ لُقَمٍ. ثُمَّ صلَّى بالنَّاس. وما مسَّ ماءً) (¬١)
فلمّا رأى ابن عباس إصرار أَبي هريرة على التحديث بما نُسِخ حكمه =أبان عن المحكم في هذه المسألة واعتضد بضَرب المعقول المُبرهن على صِحَّةِ ما شهده من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومما يُقيمك على الواضحة في ذلك وينفي عنك حوائم الرَّيب =ماتراه من جمعه - رضي الله عنه - بين ما شهده من النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المعقول الشرعي المُبرهِن على صحة ما ذهب إليه كما في الرواية الأخرى: فعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: كنتُ مع ابن عباس في بيت ميمونة في المسجد، فجعل يعجبُ ممن يزعمُ أنَّ الوضوء ممَّا مَسَّت النار، ويضرب فيه الأمثال، ويقول: إنَّا نستحمُّ بالماء المُسَخَّنِ، ونتوضأ به وندَّهن بالدُّهن المطبوخ. وذكَرَ أَشياء مما يُصيب النَّاس ممَّا قد مَسَّتِ النَّار، ثم قال: لقد رأيتني في هذا البيت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد توضأ ولبِس ثيابَه، فجاء المؤذن فخرج إلى الصَّلاة حتَّى إذا كان في الحُجْرَةِ خارجًا من البيتِ لقيَته هدية عضو من شَّاة، فأكل منها لقمة -أو لُقمتين -ثُمَّ صلّى وما مسَّ ماء) (¬٢) . قال الإمام البيهقي بعد سوقه لرواية ابن عباس - رضي الله عنه -: (فيه دلالةٌ على أَنَّ ابن عبَّاسٍ شهد ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬٣) والرِّواية الأخرى التي أخرجها مسلم مُصرِّحة
---------------
(¬١) رواه مسلم في صحيحه: كتاب "الحيض"باب"نسخ الوضوء مما مست النار" (١/ ٢٧٥ - رقم [٣٥٩])
(¬٢) أخرجها البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ١٥٣)
(¬٣) المصدر السَّابق (١/ ١٥٣)

الصفحة 99