كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

سبب النزول. والحقُّ أن نزول القرآن الكريم إنما كان لتهذيب النفوس الإنسانية، وإزالة العقائد الباطلة، والأعمال الفاسدة.
"فالسبب الحقيقي -إذاً- في نزول آيات المخاصمة هو وجود العقائد الباطلة في نفوس المخاطَبين. وسبب نزول آيات الأحكم إنما هو شيوع المظالم ووجوب الأعمال الفاسدة فيهم ... أما الأسباب الخاصة والقصص الجزئية التي تَجَشَّم بيانَها المفسرون فليس لها دخل في ذلك إلّا في بعض الآيات التي تشتمل على تعريض بحادث من الحوادث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قبله، بحيث يقع القارئ بعد هذا التعريض في ترقّب وانتظار لما كان وراءه من قصة أو حادث أو سبب، ولا يُزَال تَرَقُّبُه إلّا ببسط القصة وبيان سبب النزول". (¬1)
ويقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: " ... ولكني لا أعذر أساطين المفسرين الذين تلقفوا الروايات الضعيفة فأثبتوها في كتبهم ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفاً، حتى أوهموا كثيرًا من الناس أن القرآن لا تُنَزَّل آياته إلّا لأجل حوادث تدعو إليها، وبئس هذا الوهم فإن القرآن جاء هادياً إلى ما به صلاح الأمة في أصناف الصلاح، فلا يتوقف نزوله على حدوث الحوادث الداعية إلى تشريع الأحكام". (¬2)
وليس معنى هذا إنكار أهمية أسباب النزول في فهم معاني القرآن الكريم أو التقليل من شأنها في ذلك، فعامّة المفسرين على أن لأسباب النزول أهمية كبيرة في فهم معاني القرآن الكريم -كما سيأتي بيانه- وإنما ينبغي أن يكون المقصود منه عدم قصر معاني الآيات التي وردت في أسباب خاصة على تلك الخصوصيات إلَّا إذا ثبت بالدليل خصوصها بها، والإنكار إنما يكون على من يذهب هذا المذهب. فمع الإهتداء بتلك الأسباب في فهم معاني الآيات فإن ذلك لا يمنع من إعطائها ما تحتمله من معاني غير تلك الخصوصيات.
¬__________
(¬1) الدهلوي، أحمد بن عبد الرحيم (شاه ولي الله): الفوز الكبير في أصول التفسير، نقله من الأصل الفارسي إلى اللغة العربية سلمان الحسيني الندوي، (بيروت: دار البشائر الإِسلامية، ط 2، 1987 م)، ص 20 - 21.
(¬2) محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، ج 1، ص 46.

الصفحة 101