كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

وبناءً على السبب العام لنزول القرآن الكريم تقررت قاعدة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، (¬1) إذْ الأحكام الشرعيّة إنما شرعت لضبط حياة الناس وهدايتهم إلى أقوم السبل، أما أسباب النزول فهي مناسبات اختارتها العناية الإلهية لتكون مناسبة لتشريع الحُكم لما سبقت الإشارة إليه من حِكَم، ما لم تقم قرينة تدلّ على قصر الحكم الذي وردت به الآية على سبب النزول، فإذا قامت تلك القرينة كان الحكم مقصوراً على سببه بإجماع العلماء. (¬2)
مفهوم سبب النزول في عرف الصحابة والتابعين:
الناظر في استعمال الصحابة - رضي الله عنهم - لعبارة "نزلت الآية في كذا" يجد أنه غير مقصور على أسباب النزول الخاصة، بل يتعداها إلى إطلاقات أخرى يوضحها ما دكره ابن تيمية في فتاويه (¬3) وأورده شاه ولي الده الدهلوي في كتابه الفوز الكبير في أصول التفسير، من أن استقراء كلام الصحابة والتابعين في مفهوم سبب النزول عند قولهم: "نزلت الآية في كذا" يشير إلى أنهم يطلقون ذلك على عدة معاني أهمها:
1 - "المعنى الحقيقي لسبب النزول، وهو بيان الحادث الذي وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان سببًا لنزول تلك الآية.
3 - "بيان ما تنطبق عليه الآية مما حديث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعده، فهو بيان لصورة من الصور التي تصدق عليها الآية. وفي هذه الحال يكون المقصود بقولهم "نزلت في كذا" نزلت في مثل هذا، أو في بيان حكم هذا وأمثاله". (¬4)
¬__________
(¬1) انظر السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر: الإتقان في علوم القرآن، (بيروت: دار إحياء العلوم، ط 2، 1412 هـ/ 1992 م)، ج 1، ص 86 وما بعدها.
(¬2) انظر الزرقاني: مناهل العرفان في علوم القرآن، ج ا، ص 126.
(¬3) يقول ابن تيمية: "وقولهم نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة أنه سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب، كما تقول: عني بهذه الآية كذا". ابن تيمية، أحمد بن عبد العليم: مجموع فتاوى شيخ الإِسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب عد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، (د. م: د. ن، تصوير الطبعة الأولى، 1398 هـ، د. ت)، ج 13، ص 339.
(¬4) شاه ولي الله الدهلوي: الفوز الكبير، ص 61 بتصرف.

الصفحة 102