كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

وقع فيه تعريض بخصوص الحادث ومتعلقاته، إذْ تكون الحاجة إذ ذاك ماسةً إلى معرفة سبب النزول للتمكن من معرفة سياق الحادث وخلفياته، ومن ثَمَّ حُسْن فهم النص وإدراك مقاصده. وهو ما عبَّر عنه شاه ولي الله الدهلوي بالإطلاع على فوائد بعض القيود وأسباب التشديد والتأكيد في بعض المواضع التي تتوقف معرفة حقيقتها على معرفة أسباب النزول". (¬1)
بين عموم الرسالة وخصوص سبب النزول:
قد يبدو أن هناك شيئاً مَن التعارض بين عموم أحكام الشريعة الإِسلامية، وكون كثير من الآيات نزلت في مناسبات خاصة مما قد يَفهم منه البعضُ قصر تلك الآيات على ما نزلت بسببه من أحداث ووقائع، بل إن مثل هذا الإلتباس قد وقع لبعض الصحابة - رضي الله عنهم - في فهم بعض الآيات كما سيأتي بيانه عند الحديث عن بعض التطبيقات التي تبيِّن مدى أهمية معرفة سبب النزول في فهم النصوص الشرعيّة. وقد تنبه علماء المسلمين إلى هذه القضية منذ القرون الأولى، فبحثوها فيما اشتهر بمسألة "هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟.
وبداية يجب التنبيه إلى أن القرآن من حيث سبب النزول على قسمين: قسم نزل ابتداءً من غير سبب خاص، وإنما اكتفاء بالسبب العام، وقسم نزل بسبب خاص. أما الأول فلا خلاف في عمومه لكل الناس، أما الثاني فهو على أقسام:
القسم الأول: أن يكون اللفظ مكافئاً لسبب النزول من حيث العموم والخصوص، بأن يكون كلّ منهما عامّاً أو خاصًّا. ويكون حكمُ اللفظ هنا مساواةُ السبب، فإن كان السبب عامًّا وَاللفظ عامًا كان اللفظ العام متناولاً كلّ أفراد سببه في الحكم، ومثال ذلك آيات سورة الأنفال التي نزلت في غزوة بدر وآيات سورة آل عمران التي نزلت في غزوة أحد. وإذا كان اللفظ خاصًّا وَنازلاً في سبب خاص فإن حكمه مقصور على شَخْصِ سببه الخاص، ومثال ذلك قول الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا
¬__________
(¬1) شاه ولي الله الدهلوي: الفوز الكبير، ص 64، وانظر أيضاً 107.

الصفحة 104