كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

عليها وحرية التصرف فيها.
وبناءً على هذا التوجيه للآية تفسير معرفة سبب النزول غير لازمة لصرفة المقصود من الآية، والله أعلم بمراده.
ثانيًا - أسباب ورود الحديث:
تُعَدّ معرفة أسباب ورود الحديث عاملاً مهماً في فهم المعنى المقصود من الحديث. والأحاديث النبوية من حيث أسباب الورود على نوعين: أحاديث قيلت لسبب خاص، وأخرى ليس لها سبب خاص، وإنما جاءت خدمة للسبب العام الذي جاءت الرسالة من أجله، وهو إصلاح حال البشرية وهدايتها إلى أقوم السُّبُل.
والأحاديث التي وردت في سبب خاص تحتاج إلى معرفة سبب الورود لفهمها وتحديد المقصود منها من حيث المعنى، ومن حيث الأفراد الذين تنطبق عليهم: هل هي خاصة بمن صدرت فيهم؟ أم تَعُمّهم هُم وغيرهم ممن يصلحون للدخول تحتها، وذلك بحسب ما يحفّ بالحديث من قرائن.
أما الأحاديث التي جاءت من غير سبب خاص فإنها تكون عامّة لجميع الأمة، ولا تكون في حاجة إلى معرفة سبب الورود لفهم المقصود منها، ولكنها مع ذلك قد تحتاج إلى معرفة نوع آخر من أسباب الورود، وهو المقام الذي صدرت فيه؛ أي بأي وصف صدرت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل بوصف 5 مبلِّغاً، أم بوصفه إمامًا مدبِّراً لشؤون الأمة، أم بوصفه بشراً عادياً يجتهد في أمور الدنيا كما يجتهد غيره؟
وقد يكون الجهل بسبب ورود الحديث مورثاً للغلط في تحديد معناه، لذلك نجد الرواة يهتمون -عادةً- بنقل سبب ورود الحديث، خاصة إذا رأوا فيه أهمية لصرفة المقصود منه. وقد يغيبا أحياناً سبب ورود الحديث -الذي يكون مخصصاً لعموم الحديث، أو مقيدًا لإطلاقه، أو صارفاً للأمر فيه عن الوجوب إلى الندب أو غير ذلك- عن البعض فيؤدي ذلك إلى التحيّر في فهم الحديث أو إلى سوء فهمه، وربما يطلع بعض العلماء على السبب ويخفى ذلك على البعض الآخر فيؤدي إلى الإختلاف بينهم.

الصفحة 114