كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

روى البيهقي عن علي بن أحمد البردعي قال: "دخل إسحاق ابن راهوية وأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين مكة، وأرادوا عبد الرزاق فدخلوا مسجد الحرام، فرأوا رجلاً شاباً على كرسي وحوله الناس وهو يقوله: يا أهل الشام، ويا أهل العراق، سلوني عن سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا لرجل: من هذا الجالس؟ فقال: المطّلبي الشافعي. قال إسحاق: فقلت لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله مُرَّ بنا إليه نجعل طريقنا عليه. قال: فلما قمنا عليه قلنا: يا أبا عبد الله سله عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمكنوا الطير في أوكارها". فقال: وما تصنع بهذا؟ هذا مفسَّر: دعوا الطير في ظلمة الليل في أوكارها. فقال إسحاق: والله لأسألنه: يا مطّلبي، ما تفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمكنوا الطير في أوكارها"؟ (¬1) قال: نعم يا فارسي، هذا أحمد ابن حنبل بلغني أنه يفتي بالعراق في هذا الحديث: دعوا الطير في ظلمة الليل في أوكارها ... ". (¬2)
ثم قال الشافعي: "كان أهل الجاهلية إذا أرادوا سفرًا عمدوا إلى الطير فسرحوها، فإن أخذت يمينًا خرجوا في ذلك الفأل، وإن أخذت يساراً، أو رجعت إلى خلفها تطيروا ورجعوا، فلما أن بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة فنادى في الناس: "أمكنوا الطير في أوكارها، وبكروا على اسم الله". (¬3)
وروي عن وكيع بن الجراح أنه سئل عن هذا الحديث فقال: "إنما هو عندنا على صيد الليل"؛ أي على تحريم الصيد بالليل، فذُكِر له قوله الشافعي فاستحسنه، وقال: "ما ظنناه إلّا على صيد الليل". (¬4)
ومن أمثلة الأحاديث التي تحتاج إلى معرفة سبب الورود لفهم معناها فهماً صحيحًا، حديث النهي عن سبِّ الدهر. فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
¬__________
(¬1) أخرج البيهقي عن أم كرز الكعبية أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أقروا الطير على مكاناتها" وروي "على مكناتها". البيهقي، أحمد بن الحسين: السنن الكبرى، (د. م: دار الفكر، د. ط، د. ت)، كتاب الضحايا، باب أقرو الطير على مكاناتها، ج 9، ص 311). والمكنات بمعنى الأمكنة، والمكنة من التمكن.
(¬2) البيهقي: مناقب الشافعي، ج 1، ص 307 - 308.
(¬3) البيهقي: المصدر السابق، ج 1،ص 307 - 308، وانظر أيضاً البيهقي: السنن الكبرى، ج 9، ص 311.
(¬4) البيهقي: مناقب الشافعي، ج 1، ص 309.

الصفحة 115