كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

الترك، أم الإباحة؟ وفيما يأتي أهم المقامات التي يصدر فيها تصرَّف الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
1 - مقام التشريع: والمقصود بالتشريع هنا معناه الخاص، وهو ما كان الأخذ به لازمًا، سواء من باب الإيجاب أو التحريم، أمّا ما لم يكن الأخذ به لازمًا فلا يدخل في هذا مع أنه قد يدخل في باب التشريع بمعناه العام، إذ المندوب والمباح داخلان في باب التشريع بمعناه العام.
والأصل في أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته التشريع إلّا ما دلّ دليل غلى خلافه، وذلك لكونه - صلى الله عليه وسلم - رسولاً مبلغاً ومشرعاً، (¬1) فمهمته الأساسية التي اختير من أجلها رسولاً هي التشريع (سواء كان التشريع تبليغاً عن الله تعالى أو إنشاءً لأحكام جديدة). ويشمل مقام التشريع مقامي: الفتوى، والقضاء، فكلاهما يُعدّ تشريعاً، إلَّا أنّ ما كان صادراً في مقام القضاء لا يحق لأحد أخذه إلّا بحكم القاضي. (¬2)
وما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحداً وتصرفات في هذا المقام يكون الأخذ به لازماً، واتباعه محتّماً.
وقد يختلف العلماء في مقام صدور بعض الأحكام هل صدرت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوصفه مفتياً أم بوصفه قاضثاً، فيختلفون تبعًا لذلك في كيفيّة العمل بهذا الحكم. ومثال ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة لما اشتكت إليه قِلّة النفقة من أَبِي سفيان - رضي الله عنه -، حيث قَالَتْ: "يا رَسُولَ الله إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. فَقَالَ: "خُذِي مَا يَكفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". (¬3)
فاختلف الفقهاء في هذا: هل هو تصرف بطريق الفتوى فيجوز بناءً على ذلك لكل من ظفر بحقه أو بجنسه أن يأخذه من جاحده بغير إذنه ولا حكم من. القاضي؟ أم
¬__________
(¬1) انظر القرافي: الفروق، ضبطه وصححه خليل المنصور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1. 1418 هـ /1998 م)، ج 1، ص 357.
(¬2) انظر القرافي: الفروق، ج 1، ص 358.
(¬3) صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب (9)، مج 3، ج 6، ص 534.

الصفحة 119