كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

أنْ تَجْعلَ الماءَ خَلْفَكَ فإن لجَأْتَ لجأْتَ إليه. فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنِّي". (¬1)
وقد يختلف الفقهاء في تكييف حكم من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو تصرَّف بالفتوى أم بالإمامة، ومثال ذلك حديث إحياء الموات، فيما أخرجه أبو داود عَنْ سَعِيدِ ابْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهي لَهُ وَلَيْسَ لِعرقٍ ظَالم حَقًّ". (¬2)
فمن رأى أنه تصرَّف بالفتوى أجاز لكل أحد أن يحيى أرضًا مواتاً من غير حاجة إلى إذن الإمام بناءً على أن تجويز الرسول - صلى الله عليه وسلم - لذلك تشريع عام، وهو قول مالك والشافعي، ومن رأى أنه تصرَّف بالإمامة منع ذلك إلَّا بإذن من الإمام، وهو قول أبي حنيفة. (¬3)
3 - مقام الهدي والإرشاد: وهو الحال الذي يكون فيه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو فعله غير مقصود به الإلزام، وإنما هو إما من باب الإجتهاد في أمر دنيوي، أو من باب الشفاعة، أو النصيحة.
ومثال الإجتهاد في تدبير الأمور الدنيوية نهيه - صلى الله عليه وسلم - للصحابة عن تأبير الخيل. أخرج مسلم عن راع بن خديج قال: "قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهم يأبرون النخل. يقولون يلقحون النخل. فقال: "ما تصنعون؟ ". قالوإ: كنّا نصنعه. قال: "لَعَلّكم لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كانَ خَيْراً". فتركوه فنفضت (¬4) أو فنقصت. قال: فذكروا ذلك له، فقال: " إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكم بِشَيءٍ مِن دِينكم فَخُذُوا بِه، وإِذَا أَمَرْتُكم بِشَيء مِن رَأْي فَإِنَّمَا أنَا بَشَرٌ". (¬5)
ومثال الشفاعة التي أخذ بها المشفوع لديه قصة كعب بن مالك حين طالب عبد الله بن أبي حدرد بمال كان له عليه، وكان عاجزاً عن أداء الدين كاملاً، فتخاصما
¬__________
(¬1) الحاكم، أبو عبد الله محمد: المستدرك على الصحيحين في الحديث، (بيروت: دار الفكر، 1398 هـ / 1978 م)، ج 3، ص 427.
(¬2) الألباني: صحيح سنن أبي داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، ج 2، ص 594.
(¬3) انظر القرافي: الفروق، ج 1، ص 3359؛ وانظر وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية الكويتية: الموسوعة الفقهية، ج 2، ص 241 - 242.
(¬4) نفضت: أي أسقطت ثمرها.
(¬5) صحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب (38)، ج 4، ص 1835 - 1836، الحديث (2362).

الصفحة 121