كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

يدل على كون ما حديث علة لذلك الحكم.
ومثال ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن جامع في نهار رمضان: "فَأَعْتِقْ رَقَبَةً" (¬1)
3 - أن يذكر الشارع مع الحكم وصفًا لو لم يُقَدّر التعليل به لما كان لذكره فائدة، وهو أربعة أقسام، انظرها في مواطنها. (¬2)
4 - أن يفرق الشارع بين أمرين في الحكم بذكر وصف لأحدهما فيعلم أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وإلاّ لم يكن لتخصيصه بالذكر فائدة. (¬3)
5 - النهي عن فعل يكون مانعاً لما تقدم وجُوبُه علينا. كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فإنه تعالى لما أوجب السعي إلى الصلاة ونهى عن البيع علمنا أن علة النهي عن البيع هي تفويت الواجب. (¬4)
هذا خلاصة ما فرعه الأصوليون على الإيماء والتنبيه، وهو راجع إلى القسمة العقلية، ولذلك لم يظفروا لبعض فروعه بأمثلة شرعية.
ويبدو أن أنسب تعريف للإيماء والتنبيه هو ما عرفه به صاحب مسلَّم الثبوت بأنه "ما يدل على عليّة الوصف بقرينة من القرائن"، إذْ الإيماء نوع من التنبيه والإشارة إلى كون معنى من المعاني أو حِكْمة من الحِكَم هي مقصود الشارع من
¬__________
(¬1) أخرج البخاري عن أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ: "وَلِمَ". قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: "فَأَعْتِقْ رَقَبَةً". قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ". قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا". قَالَ: لا أَجِدُ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: "أينَ السَّائِلُ؟ " قَالَ: هَا أَنَا ذَا. قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا". قَالَ: عَلَى أحْوَجَ مِنَّا يا رَسُولَ الله, فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ: "فَأَنْتُمْ إِذًا". صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب (13)، مج 3، ج 6، ص 535. الحديث (5368) وانظر في هذا النوع الإسنوي: نهاية السول، ج 3، ص 65 - 66؛ الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 280.
(¬2) انظر الرازي: المحصول، ج 5، ص 149 - 152؛ الإسنوي: نهاية السول، ج 3، ص 66 - 67؛ الشوكاني: إرشاد الفحول، ص 212؛ الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 281.
(¬3) انظر في هذا الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 284؛ الإسنوي: نهاية السول، ج 3، ص 67.
(¬4) انظر الرازي: المحصول، ج 5، ص 154 - 155؛ الآمدي: الأحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 285.

الصفحة 158