كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

أقسام المناسب:
قسم الأصوليون المناسب إلى أقسام متعددة وباعتبارات مختلفة، اتفقوا في بعضها واختلفوا في بعض آخر اختلافَ اصطلاحٍ أو اختلافَ تفريعٍ وإجمال. (¬1) ولعل أجمعها -وهو ما استقر عليه المتأخرون- تقسيمه إلى حمسة أقسام: المناسب المؤثر والمناسب الملائم، والمناسب الغريب، والمناسب الملغي، والمناسب المرسل. ووجه الحصر- أنا المناسب إما أن يثبت اعتبارُه شرعاً، أو يثبت إلغاؤُه، أو لا يعلم هذا ولا ذاك. الأول معتبر بالنص أو الإجماع، وهو المؤثر والثاني بترتيب الحُكْم على وفقه وإن لم ينص عليه صراحة أو لم يثبت بالإجماع، وهو الملائم، فإن شهد لاعتباره أصله المعين فقط دون أن يوجد لجنسه شاهد فهو الغريب، وما ثبت إلغاؤه فهو المناسب الملغي، وما لم يثبت اعتباره ولا إلغاؤه فهو المناسب المرسل.
1 - المناسب المؤثر: وهو الذي دلّ النص أو الإجماع على مناسبته، وصلاحيته لأن يكون علة تُبنى عليها الأحكام الشرعية. (¬2) وما يثبت من المقاصد بهذا الطريق يُعدّ من المقاصد الثابتة بالنص أو الإجماع، وتكون إما مأخوذة من ظواهر النصوص مباشرة أو بالإستعانة بما يحفّ بها من قرائن، وقد سبقت دراسته ضمن ما ثبت بالنص أو بالإيماء والتنبيه. وإدراج هذا النوع من المناسب ضمن مقاصد الشارع متفق عليه بين العلماء. (¬3)
ومثال هذا النوع من المناسب النص من الشارع على أن التيسير والتخفيف هو المقصد الشرعي من رخص العبادات والمعاملات، (¬4) وأن تطهير النفوس من الشُّحّ وتحقيق التكافل الإجتماعي هو المقصد من تشريع الزكاة، (¬5) وأن الإستدامة على طاعة
¬__________
(¬1) انظر الرازي: المحصول: ج 5، ص 159، وما بعدها؛ الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 311 وما بعدها.
(¬2) انظر الغزالي، أبو حامد: شفاء الغليل في بيان الله والمخيل ومسالك التعليل، تحقيق حمد الكبيسي، (بغداد: مطبعة الإرشاد، 1390 هـ/ 1971 م)، ص 144.
(¬3) الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 312.
(¬4) {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء: 28]
(¬5) {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة: 103]،وعَنِ

الصفحة 164