كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

المصالح، وما من مسألة تفرض إلّا وفي الشرع دليل عليها، إما بالقبول أو بالرد". (¬1) وبعد أن استعرض نماذج مما اعتُبِر من المصلحة المرسلة، خلص إلى القول: "فقد تبيّن أن كلّ مصلحة مرسلة فلا بُدّ أن تشهد أصول الشريعة لردها أو قبولها". (¬2)
الإتجاه الثاني: أن المناسب المرسل هو المصلخة التي اعتبر الشارع جنسها، كما فعل الصحابة في إعطاء الشارب حدّ القاذف؛ لأن الشرب مظنة القذف فأقاموا مظنة القذف مقام القذف بناءً على ما عُهِد من الشارع في إقامة مظنة الشيء مكن الشيء نفسه، فهو مناسب شهد الشارع لجنسه. (¬3)
وبناءً على ذلك يحون الإرسال الموصوف به هذا النوع من المناسب ليس معناه الإرسال الحقيقي والخلو التام عن أيّ شاهد بالاعتبار أو الإلغاء، وإنما المقصود عدم وجود أصل تتوفر فيه جميع شروط الأصل المقيس عليه ليقاس عليه، فمن تلك الجهة سُمي مرسلاً؛ أي لعدم وجود أصل يضبطه.
وعلى هذا يكون المناسب المرسل هو الذي لم يشهد له أصل معين، لكنه يشهد له أصل كلي، وهو تعريف الشاطبي، حيث عرَّفه بقوله: "أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين". (¬4) وقال عنه في الموافقات: "كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين، وكان ملائماً لتصرفات الشرع، ومأخوذا معناه من أدلته، فهو صحيح يُبْنَى عليه، ويرجع إليه إذا كان ذلك الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعاً به ... ويدخل تحت هذا الضرب الإستدلال المرسل الذي اعتبره مالك والشافي، فإنه وإن لم يشهد للفرع أصل معين، فقد شهد له أصل كلي، والأصل الكلي إذا كان قطعياً قد يساوي الأصل المعين، وقد يربى عليه بحسب قوة الأصل المعين وضعفه ... ". (¬5)
¬__________
(¬1) الغزالي، أبو حامد: المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق محمد حسن هيتو، (دمشق: دار الفكر، ط 2، 1400 هـ / 1980 م)، ص 359.
(¬2) المصدر السابق، ص 363.
(¬3) انظر الغزالي: المستصفى، ج 1، ص 221.
(¬4) الشاطبي: الإعتصام، ج 2، ص 354.
(¬5) الشاطبي: الموافقات، مج 1، ج 1، ص 27، وانظر أيضا قول الغزالي: "وكون هذه المعاني مقصودة عرفت لا بدليل واحد، بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات تسمى لذلك مصلحة مرسلة". المستصفى، ج 1، ص 222.

الصفحة 168