كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

إلى الشروط المذكورة.
أما إذا كان المرسل بمعنى الذي يشهد لجنسه -ولو العالي- شاهد من مقاصد الشرع ومبادئه العامة وليس فيه ارتكاب محرّم ولا معارضة معتبرة لنص شرعي، فلا معنى عند ذلك لحصره في الضروريات فقط، أو في الضروريات والحاجيات، ما دامت هذه المصلحة من باب المعاملات القائمة على التعليل، ولم يرد ما ينقضها أو يعارضها في الشرع، بل يمكن أن تتعدى إلى التحسينيات أيضا، ولا يشترط فيها أن تكون كليّة ولا عامّة.
ويتضح هذا في مثال اتخاذ الدواوين وجمع القرآن الكريم -وهما مثالان لما عمل به الصحابة من المصالح المرسلة- فمصلحة اتخاذ الدواوين لا يترتب على الأخذ بها أية مخالفة للنصوص الشرعية أو ارتكاب لمحظور بل هي من باب النفع المحض، وكذلك الأمر في الجمع الأول للقرآن الكريم، ومن ثَمّ لا يُشترط في مثل هذه المصلحة أن تكون كلية عامة ضرورية أو حاجية، فللناس أن يتخذوا من وسائل جلب النفع ودفع الضرر ما شاءوا وفي جميع مجالات الحياة بما فيها التحسينيات مادامت لا تؤدي إلى أي محظور فإذا تبين أنها تؤدي إلى محظور أو تخرم مقاصد الشريعة وقواعدها العامة احتيج عند ذلك إلى ضبطها بالضوابط التي ذكرها الغزالي.
ومن هنا يتضح أن ما اصطلح عليه باسم المصلحة المرسلة في معناه العام تنقسم إلى قسمين:
1 - ما كان مصادماً لنص أو قاعدة شرعية عامة، أو لم يَجْرِ على وفق مقاصد الشريعة، فهذه تُعدّ في حقيقتها من باب المناسب الملغي وتخضع لشروط الضرورة، وقواعد التعارض والترجيح.
وليست كلّ مصلحة عارضت نصا فهي ملغاة، وإنما التي يُقْطَع بإلغائها هي التي تعارض نصّاً بمعناه الأصولي، أي الذي لا يحتمل التأويل -سواء كان التأويل بصرفه عن ظاهره، أو بتخصيصه، أو بتقييده- أما إذا كانت المصلحة لها شاهد من الشرع وعارضت ظاهراً يحتمل التخصيص أو التقييد فإنها تكون محلّ نظر واجتهاد. فإذا

الصفحة 170