كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

غيبته ونُقِل إليه فسكت عنه، أو سكوتُ عن تعامل شائع بين الناس في بيئته - صلى الله عليه وسلم - مع تحقق علمه به، أو ترك الإستفصال في حكايات الأحوال.
أ - السكوت عن قول أو فعل وقع في حضور النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو في غيبته ونقل إليه:
وهو المصطلح عليه عند الأصوليين والمحدثين بالإقرار وهو: "أن يسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إنكار قول أو فعل قِيل أو فُعل بين يديه، أو في عصره وعلم به". (¬1) ويكون الإقرار بالسكوت عن الإنكار، أو بالكف عن الفعل. (¬2)
هل حجية الإقرار في ذات السكوت؟
لا تكمن حجّية الإقرار في مجرد السكوت عن الإنحار والكفّ عن التغيير إذْ الإقرار لا يعني دائماً الرّضا بالأمر المُقَرِّ وإنما ينظر فيه: فإن تضمن هذا الإقرار الرضا والموافقة فهو إقرار يُحتجّ به، وإن لم يتضمن ذلك فهو غير مُعتدّ به. فالضابط -إذاً- ليس هو مجرد السكوت، وإنما ما يحفّ به من قرائن الحال، ولذلك اشترط الأصوليون لحجية الإقرار شروطاً خلاصتها:
1 - أن يتأكّد علمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفعل، سواء حصل العلم بسماعه أو مشاهدته مباشرة، أو نُقِل إليه نقلاً. (¬3)
ومثال الأول إقرار خالد بن الوليد على أكل الضب، ففي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِي الله عَنْهمَا - عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ (¬4) فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أَخْبِرُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ فَقَالُوا: هُوَ ضَبُّ يا رَسُولَ الله، فَرَفَعَ
¬__________
(¬1) الزركشي: البحر الحيط، ج 4، ص 201.
(¬2) الأشقر، محمد سليمان: أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 5، 141 هـ/ 1996 م)، ج 2، ص 90.
(¬3) انظر الزركشي: البحر المحيط، ج 4، ص 202 - 203.
(¬4) محنوذ بمعنى مشوي. انظر الرازي: مختار الصحاح، ص 90.

الصفحة 174