كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع

وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَنْهَنَا". (¬1)
وقد يُخْتَلَفُ في اندراج بعض أنواع السكوت تحت هذا الباب، كما هو الحال في زكاة الخضراوات؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيّن الأصناف التي تجب فيها الزكاة من الزروع والثمار، وسكت عن الخضراوات مع انتشارها ووجود الداعي لبيان حُكْمها. فهل تُعدّ من هذا النوع من المسكوت عنه، فيكون السكوت عنها دليلاً على عدم وجوب الزكاة فيها؟ أم أنها لا تندرج تحت هذا النوع؟ بل هي من باب السكوتِ إحالةً على ما ورد في ما تجب فيه الزكاة من نصوص عامة فيكون السكوت فيها من باب السكوت لعدم توفر الداعي، وتأخذ حكم الزروع والثمار الأخرى وفقاً لعلّة إيجاب الزكاة فيها. وسيأتي مزيد تفصيل في هذه المسألة عند الحديث عن مسألة: هل السكوت عن النقل ينزّل منزلة نقل السكوت؟
ج - ترك الإستفصال في حكايات الأحوال:
ويندرج لم تحت هذا مسألتان:
1 - إذا حكم الشارع في مسألة -ذات جزئيات تحتمل الوقوع على أكثر من وجه- بحكم مطلق من غير استفصال عن تلك الجزئيات ولا عن الجهة التي وقعت عليها فهل يُعدّ ذلك تعميماً من الشارع للحكم حتى يشمل كل الجزئيات والوجوه المحتملة؟ أم أنه لا يدلّ بذاته على عموم الحكم؟ فيُقْصَر على الجزئيات التي ورد بشأنها، ولا يتعدّى إلى ما يشمله عموم ذلك الدليل إلّا بدليل آخر.
ذهب بعض الفقهاء وعلى رأسهم الإمام الشافعي إلى القول بأن ترك الإستفصال في حكايات الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال. (¬2) واعترض الجويني على إطلاق هذه القاعدة بأن ما اعتُبِر تركاً للإستفصال غير مُسَلَّم، إذْ قد يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عالماً
¬__________
(¬1) المصدر السابق، كتاب النكاح، باب (22)، ج 2، ص 1065 (1440) (138).
(¬2) انظر القرافي، أحمد بن إدريس: الفروق، ضبطه وصححه خليل المنصور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1418 هـ / 1998 م)، ج 2، ص 153 - 159؛ والجويني: البرهان، ج 1، ص 237.

الصفحة 178